يدخل أحد التجّار محافظة عكار لإنجاز معاملة "تصنيف لمؤسّسته التجاريّة" من وزارة الاقتصاد. هناك، لا يجد الفرد أي صعوبة في إنجاز معاملته، فالسماسرة موزّعين في مختلف أرجاء السراي، لتقديم خدماتهم التي تمكّنه من إنجاز معاملته بأسرع وقت ممكن ومن دون عناء، قبل أن يكتشف لاحقاً أنه وقع فريسة سهلة، وأن تمرير معاملته وحصوله على التصنيف، كلّفه مبلغاً يقترب من الـ10 ملايين ليرة لبنانية.
ما جرى مع التاجر العكاري ليس إلّا نموذجاً مبسطاً عن واقع العمل في محافظة عكار، فالمعاملات الإداريّة التي من المفترض أن يتولّاها الموظّف الرسميّ (رئيس قسم شؤون البلديات) المكلّف من وزارة الداخليّة والبلديات بمتابعة شؤون المواطنين غائب، لا بل معتكف عن العمل منذ أشهر، ويتولّى مجموعة من السماسرة إنجاز معاملات المواطنين. واقع يوسّع حلقة الفوضى المتفشية في محافظة عكّار، نتيجة غياب مؤسّسات الدولة أولاً والتي ينجم عنها نقص في عدد الموظّفين الإداريين. ففي محافظة عكّار التي من المفترض أن تلبّي طلبات نحو 130 بلدية و12 اتحاد بلديات، وتنجز معاملات آلاف المواطنين، يعمل، إضافة إلى رئيسة قسم المحافظة رولا البايع التي كلّفت مؤخراً بمهام قائمقام الضنية، خمسة محرّرين من ضمنهم الموظّف المعتكف وآخر مفصول إلى الكورة منذ أكثر من عامين، وموظفا بريد.

المعاملات الإداريّة التي
من المفترض أن يتولّاها
الموظّف الرسميّ يتولّاها مجموعة من السماسرة


"الابتزاز المالي" المفروض بسلطة الأمر الواقع لإنجاز المعاملات، والرشاوى المدفوعة لتمرير معاملات أخرى غير مستوفية الشروط، دفع عدداً من المتضرّرين من تجّار وأصحاب مصالح لتقديم شكاوى، أمام وزارة الداخليّة والبلديّات، التي لم تحرّك ساكناً حتى اليوم للتحقّق مما يجري في محافظة عكار، فيما محافظ عكار عماد لبكي عاجز عن فرض رقابة دائمة وتسيير أمور المواطنين، الذي يبقون الحلقة الأضعف في هذا الوضع القائم. فلمصلحة من يتم قبول اعتكاف موظّفين رسميين دون أي محاسبة أو مساءلة؟
يشير محامي أحد المتضرّرين إلى "أن ما يجري يُعدُّ مخالفة واضحة للقانون"، وأن "غياب رئيس قسم شؤون البلديات، ما هو إلّا نتيجة استبعاده مقابل السماح لبعض المستشارين المعينين خلافاً للأصول، يتولون أغلب المهمّات والمعاملات، الأمر الذي سمح بنمو الفوضى وتكاثر عمليات الرشى"، ففي عام 2014 وبعد تعيين المحافظ عماد لبكي في عكار، أطلق ورشة عمل، وصفها في حينها بالإصلاحيّة، بالتعاون مع اتحادات البلديات، حيث تمّ التعاقد مع موظفين جدد في المحافظة لتسيير الأعمال الإداريّة. ويضيف المحامي: "ما يجري يندرج ضمن حلقة الفساد المستشري في مختلف الإدارات الرسميّة، وإلّا كيف تفسّر الاستعانة بموظفين من حساب الاتحادات والجمعيّات والمؤسّسات الدوليّة، فيما يستبعد موظّفون رسميون"، ويتابع: "وحتى لو افترضنا اقتراف هذا الموظّف خطأً، كيف يسمح له بالاعتكاف بدلاً من محاسبته؟".