دمشق | «لن أبدل وطني بجنان الخلد، ودمشق بالنسبة إليّ أكثر من وطن، وسأعود إليها حال انتهائي من زيارتي لزوجتي وابني، وسيبقى جواز سفري الوحيد الذي أحمله، وأجول فيه كل مكان في هذا العالم هو الجواز السوري ليس إلا» هذا بالضبط ما قاله النجم فايز قزق (1959) لـ «الأخبار» عندما هاجمته أقلام مسمومة اتهمته بأنه هرب إلى السويد.
نجم مسرحية «ريتشارد الثالث» (إخراج الكويتي سليمان البسّام ــ 2009) يمضي نهاراته في شوارع مدينته المفضّلة. رغم مطر القذائف الإرهابية وأصوات القصف التي تهز أرجاء العاصمة، إلا أن قزق يزاول عمله منجزاً مشهدين من دوره في «قناديل العشّاق» (خلدون قتلان وسيف الدين السبيعي) في زواريب الشام القديمة. يخرج سيراً على الأقدام حتى يصل ساحة «باب توما». يدور حول قوسها مرّات عدة، في مشهد يبدو كأنه أفلت من «مسرح الشارع». يلفت دون قصد نظر المارة المتوجّسين، ثم يكمل طريقه نحو «برج الروس» ثم «القصّاع» وصولاً إلى «شارع بغداد» ثم ساحة «السبع بحرات» يليها «شارع العابد». هنا يقرر أخذ استراحة يشرب فيها «شاي خمير» في «مقهى العجمي». سريعاً، يوافينا النادل، ليهمس بمنتهى السعادة «أستاذ فايز هون».
لا يتوقف الدفق الكلامي عند نجم «حمّام بغدادي» (مسرحية تقاسم بطولتها مع الراحل نضال سيجري، إخراج جواد الأسدي 2006). يحكي عن أفيون الشعوب، وإبر المخدّر التي تحقن بها أدمغة الأجيال، وتوارث الديكتاتورية المجتمعية، كأن يصرخ ربّ البيت في وجه زوجته طالباً منها أن تأخذ ابنها وتخرج، كي يستمتع بمشاهدة المباراة! مهاراته في جذب انتباه المستمع، جعلته أستاذاً محبوباً في «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق. حتى اليوم، لم يغادر قاعات المؤسسة الأكاديمية العريقة. ظل مخلصاً للتدريس، امتداداً لما صنعه المؤسسون أمثال فواز الساجر، وسعد الله ونوس وغيرهما. هكذا، يصوغ من دروسه أبحاثاً متشعبة تنطلق من الكلمة، وتنتهي على الخشبة. إنجازه المسرحي الحافل ممثلاً، ومخرجاً، وأستاذاً لدفعات متلاحقة، يقودنا إلى السؤال عن رفضه الشغل مع «مديرية المسارح والموسيقى» بعدما وجّهت الأخيرة دعوات لغالبية المسرحيين السوريين، من دون أن تغفله. يفتتح إجابته بأخطاء متلاحقة، وهو يلفظ أسماء المسؤولين في المديرية بطريقة كوميدية تجبرنا على الضحك! لكنه يخلص إلى نتيجة مفادها: «كيف لي أن أعمل مع ممثّل يحتاج إلى تفرغ ثلاثة أشهر على الأقل، بعدما استنفد فيها كل طاقاته، دون أن يحصل سوى على فتات مالي لا يكفيه أجور مواصلات أثناء البروفات؟»
«يا خوي» هي اللازمة المعتادة للفنّان الستيني الذي أحدث انقلاباً جذرياً في مدينة مسيّجة بقوانين دينية واجتماعية صارمة مثل الكويت، يوم سافر إلى هناك وأنجز عروضاً مهمة على مدى ست سنوات. يتجنّب «أبو النور» الحديث الإعلامي عن دوريه في الموسم المقبل. نستعين بصنّاع هذين العملين لنعرف بأنه يلعب في «قناديل العشاق» دور «الحكيم عرفان» بصورة معادلة للقاعدة التي تقول «كما لكل مدينة عبيطها، فإن لكل مجتمع حكيمه». هو حكيم هذا المجتمع الشامي في القرن السابع عشر، يغازل دمشق ويهتم بها، وشخصيته غير موثقة تاريخياً، لكنها متخيلة بصيغة تتماشى مع المرحلة التي تدور فيها أحداث المسلسل. يمتهن الطب ويداوي مرضاه، لكنّه في المقابل يملك الحكمة، ويعرف كي يوصل رزانته لمن يطلبها. لذا فإنه سيتحول إلى ملاذٍ تقصده غالبية شخوص العمل. ربما كتبت الشخصية انسجاماً مع روح الحكيم الدمشقي أبو «الفرج اليبرودي» الذي وضع ناموساً طبياً يعتبر بمثابة مرجعية أخلاقية للمهنة الإنسانية.
أما في «ترجمان الأشواق» (بشّار عبّاس ومحمد عبد العزيز) فيلعب قزق دور كمال، وهو شخص يساري وفيّ لقناعاته، رغم التغيرات الحاصلة بعد حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفياتي. كمال ليس مبشراً بيساريته ولا بمدنيته، إنما هو رجل حياتي يفهم معطياتها المعاصرة، ويقرر أن يعتصم في بلده مواظباً على شغله كصاحب مكتبة.