التفاوض بين «الجماعة الإسلامية» وتيار «المستقبل» قائم في شأن التحالف بينهما في عدد من الدوائر في الانتخابات النيابية المُقبلة، لكن من دون نتائج حاسمة بعد. وفيما يتردد أنَّ الرئيس سعد الحريري غير متحمّس للتحالف، وأنَّ «الجماعة» تستعد لخوض معارك في عدد من المناطق، خصوصاً في إقليم الخروب، حيث قررت ترشيح مرشّحَين عن المقعدين السنيّين، تنفي مصادرها ذلك، مؤكّدة أنَّ الأولوية في التحالفات «تصبّ لمصلحة تيار المُستقبل بعد الساحة الإسلامية». سقطت 8 و14 آذار، ولا يزال «إخوان لبنان» يرون في التفاهم مع تيار المستقبل مصلحة طائفية ومناطقية.
والعارفون بأسرار العلاقة بين الطرفين يؤكدون أنَّ النائب عماد الحوت لطالما دفع في اتجاه هذا التحالف، خصوصاً أنه من المنحازين إلى الرئيس الحريري، «ظالماً أو مظلوماً». لكن ذلك لا يعني أنَّ «الجماعة» لا تطمح إلى توسيع تمثيلها إلى أكثر من نائبها الوحيد في المجلس المقبل. حسمت «الجماعة» أمرها لجهة التحالف مع الحريري، ويبقى أن يعطي رئيس الحكومة كلمته الأخيرة، في ظل كلام عن «معارضة سعودية» لمثل هذا التحالف على خلفية العلاقات الإخوانية ـــ السعودية المتوترة.

تحضيرات الجماعة
تسير وفق قانون الستين لأنه
القانون النافذ
أضف إلى ذلك أنَّ زيارة الحريري الأخيرة لمصر عبد الفتاح السيسي قد تجعل أمر التحالف أكثر صعوبة. فقد أثارت التصريحات الحريرية الأخيرة في القاهرة غضب قاعدة «الجماعة»، تحديداً لجهة ما نُسب إلى الحريري أن «مصر نجحت في وقف مخطط جماعة الإخوان لتحويل مصر إلى دولة دينية. وان نجاح الإخوان كان كفيلاً بتبرير مساعي إسرائيل في الحصول على الاعتراف الدولي بفكرة الدولة اليهودية». على خلفية هذا الكلام نشبت «حرب» إلكترونية، تبادل فيها جمهور الطرفين التهم والتخوين. من المعروف أن الأرضية صالحة لاشتباك سياسي في أي لحظة، منذ أحداث فض اعتصام رابعة، لكن على مستوى القيادة تبدو الأمور أكثر «عقلانية»!
على الأرض، تبدو «الجماعة» كأنها وحدها من يعدّ العدّة للانتخابات، وسط انشغال بقية الأطراف في البحث عن قانون انتخابات. ويؤكّد رئيس مكتبها السياسي أسعد هرموش «أننا أطلقنا ماكيناتنا الانتخابية منذ نحو شهر»، مؤكداً أنَّ «التحضيرات تجري وفق قانون الستين لأنه القانون النافذ»، وعلى أساسه «يجري اختيار المرشحين عبر الهيئة الاستشارية التي تضم كبار المسؤولين، وتطرح الأسماء على الهيئة العامة، ليحسمها المكتب السياسي. وفي حال إقرار قانون جديد، يُمكن إدخال تعديلات».
ليس واضحاً السبب الأساسي لعدم وصول التفاوض مع «المستقبل» إلى نتائج بعد، وما إذا كان هذا التعذّر مردّه إلى إصرار الجماعة على التمثل بأكثر من نائب، أو الارتباك داخل تيار المستقبل نتيجة تراجع حيثيته الشعبية وعدم قدرته على حسم شكل التحالفات، أو أنَّ له علاقة بالارتباطات الإقليمية لكليهما. بحسب ما أكد هرموش لـ«الأخبار»: «لا شيء محسوماً بعد»، مشيراً إلى أنه اتُّفق مع «المستقبل» على «تشكيل لجنة مشتركة تضم هرموش والأمين العام للتيار أحمد الحريري لبحث الأمور التفصيلية». ويشدد على أن «هناك الكثير من الأمور التي تجمعنا مع التيار أكثر من أي طرف آخر، وهناك أفكار يجري التداول فيها». ما هي مطالب «الجماعة»؟ يقول هرموش إنَّ «أولوية التحالف بعد الساحة الإسلامية تصبّ لمصلحة تيار المستقبل، لكننا منفتحون على الجميع». ولفت إلى أنَّ «الخيارات واسعة في البقاع وطرابلس وبيروت، ولا مشكلة لدينا في التحالف في أي منطقة أو دائرة معينة». ففي البقاع مثلاً «الخيار مفتوح على الوزير عبد الرحيم مراد»، و«في طرابلس مع الرئيس نجيب ميقاتي». وحتى مع الحزب الاشتراكي «هناك تفاهم بدأ في النقابات واستمر في البلدية، ويمكن أن ينسحب على الانتخابات النيابية». وإن لم يحصل تحالف بين المستقبل والاشتراكي في الدوائر المشتركة «فحينها سيكون للجماعة مواقفها التي ستحددها القيادة». وماذا عن الوزير أشرف ريفي؟ بما أنَّ الأولوية هي للمُستقبل، تجد «الجماعة» نفسها مضطرة إلى الابتعاد عن كل ما يستفزّه. وبالتالي «لم يكُن ريفي من ضمن خياراتها».
وعن تصريحات الحريري الأخيرة، يقول إن «رئيس الحكومة كان في غنى عن بيع هذا الموقف للنظام المصري». وقد ذهب هرموش إلى أكثر من ذلك، متسائلاً هل «النظام الديني في المملكة العربية السعودية وإيران يشرّع وجود الدولة اليهودية»؟ ولفت إلى أن هذا التصريح «لن يؤثر على المشهد الانتخابي، لكن يمكن أن يكون هناك إعادة نظر»، ومن المؤكّد أن «الموضوع سيطرح في الاجتماعات الثنائية التي تعقد بين الجماعة والتيار».
في المقابل، يبدو «المستقبل» في حالة ارتباك. حتى الآن، لم يحسم أسماء مرشحيه، ولم يصل إلى صورة واضحة بشأن الانتخابات، خصوصاً أن «لا انتخابات في الأفق»، بحسب مصادر مستقبلية أشارت إلى «أننا على تواصل مع كل الأطراف السياسية دون استثناء»، لافتة الى أنَّ «الجماعة على ما يبدو تريد أن تكون لها كتلة نيابية في مختلف الدوائر». وهذا يعني أن «يتنازل التيار عن بعض المقاعد السنية في أكثر من منطقة». وفي هذا الشأن تقول المصادر إنَّ «التفاهم لا يزال مستعصياً، في بيروت وعكار وصيدا، إذ يجري أخذ خصوصية كل دائرة في الاعتبار». وعلى عكس الجماعة، يرى المستقبل أنَّ «عدم التوصل إلى قانون جديد للانتخابات يصعّب على التيار حسم تحالفاته، ولا يمكن البناء على نتائج قانون الستين لأنه بات في حكم الميت». ونفت المصادر ما يتردد عن معارضة سعودية، لأنَّ «المملكة غائبة كُلياً، وهي لم تتدخل مع الحريري في ملفات أكثر دقة وحساسية». لكنها لم تنفِ إمكان أن يكون لبعض القضايا الأخرى تأثير، خصوصاً في ما يتعلق بالملف المصري، «وهذا يخلق حالة من التخبط عند قاعدة الجماعة، وفي الوقت نفسه يثير شكوكنا لجهة عدم حسم كل أصواتها لمصلحتنا»، مشيرة إلى أن «آثار الاشتباك السياسي الذي حصل بيننا وبين الجماعة على خلفية تباين موقف الطرفين من أحداث مصر، بعد خلع الرئيس السابق محمد مرسي، لم تزُل نهائياً».