بدأت الإرهاصات الأولى لـ»قانون تشابك المساحة» في خلال السبعينيات من القرن الماضي، عندما كان العالم الشهير «ستيفن هوكنغ» يقوم بدراسة الثقوب السوداء، وقد اكتشف مع زملائه من خلال الحسابات الرياضية أنه عند سقوط المادة إلى داخل الثقوب السوداء، فإن كمية المعلومات التي تستطيع هذه الأجسام التقاطها يتناسب طردياً مع مساحتها وليس مع حجمها.
وفي مقاربة أسهل، يمكن تشبيهها بأن قدرة «الجارور» على استيعاب كمية معينة من الملفات تعتمد فقط على مساحته السطحية دون أن يكون لعمقه شأن في ذلك. بالطبع، يجافي ذلك المنطق كما نعرفه، لكن مفاهيم الفيزياء الحديثة التي تصحّ على الأجسام المتناهية الصغر أو على الثقوب السوداء تجافي الكثير من منطق الأمور كما نعرفها في حياتنا اليومية بأبعادها وطاقتها المعتادة. وعندما نتكلم عن «المعلومات» التي يمكن الثقب الأسود أن يبتلعها، فنعني بذلك كل المجموع الكلي للخصائص والعلاقات الموجودة بين مكونات المادة التي يلتهمها، وهو ما يتناسب أيضاً مع كتلة المادة نفسها.
أخيراً، ظهرت دراسة تشير إلى وجود خاصية شبيهة جداً في تصرفات الهيليوم الفائق الميوعة، الذي يتشكل على درجات حرارة شديدة الانخفاض. إذ مع اقتراب الهيليوم من درجة حرارة -271 مئوية، أو ما يوازي درجتين فوق الصفر في مقياس كالفين، ينتقل إلى حالة فيزيائية جديدة مختلفة تُسمى حالة الميوعة الفائقة، وتتحول الذرات المكونة للمادة إلى ما يشبه فريقاً متشابكاً من الذرات لا يمكن أن تتحرك أو تتصرف الواحدة دون الأخرى، بل يتصرفون بشكل متجانس ومتشابك معاً مثل الموجات.

الظواهر الكمومية تحكمها مجموعة قوانين لا تتناسب مع ما اعتاده المنطق البشري في تفسيراته اليومية

اعتمدت هذه الدراسات على حواسيب فائقة من أجل محاكاة التفاعلات بين 64 ذرة من الهيليوم في حالة الميوعة الفائقة، وقد وجد الباحثون أن كمية المعلومات المتشابكة التي تتبادلها كتلتان من هذه الذرات تتناسب طردياً مع مساحة هاتين الكتلتين، وليس مع أحجامها، تماماً كما وجدت الأبحاث السابقة قبل أربعين عاماً في خصائص الثقوب السوداء. وبهذه الخصائص تتشابه هذه الظاهرة مع الهولوغراف الضوئي الذي يغطي حجماً ثلاثي الأبعاد لكنه يتشكل فقط من الأشعة الضوئية التي يختزنها في غلافه الثنائي الأبعاد. وكانت هذه المرة الأولى التي يجري في خلالها التحقق من قانون تشابك المساحة في اختبار تطبيقي حقيقي بعد أن كان توقعاً نظرياً صرفاً. ولولا قوة الحواسيب الحديثة القادرة على محاكاة كل التفاعلات الدائرة بين المكونات الذريّة لهذا السائل من الهيليوم، لما أمكنت دراسة هذه الخصائص بالدقة التي حصلت فيها.
وتكمن أهمية فهم ودراسة الهيليوم الفائق الميوعة لأنه سيشكل لاحقاً المحرك الأساسي لجيل جديد من الحواسيب الكمومية ذات الخصائص الخارقة في معالجة المعلومات، والتي لم تبدأ عملياً بعد الخطوات الأولى لتحويلها من فكرة نظرية عامة إلى محاولات تجريبية جنينية. لكن الخصائص التي نعرفها عن الهيليوم في حالته هذه، تشكل مادّة أوّليّة أساسيّة لمعالجة فائقة السرعة لدفق كبير من المعلومات، وهو ما نطمح إليه من أي حاسوب خارق مستقبلي.

ما هو قانون التشابك؟

في عشرينيات القرن الماضي الماضي، اكتشف ألبرت أينشتاين ظاهرة لافتة، وكان حذراً في تقبّل صحتها في البداية، وسمّاها في حينها قانون التشابك، أو «التفاعل المخيف على مسافات طويلة». ومع الوقت، تبيّن للعلماء صحة هذه الظاهرة التي اختُبرَت في عدة حالات خاصة في العقود الأخيرة. الذي يحصل في قانون التشابك يمكن تلخيصه بالآتي: توجد جزيئات المادة مثل الإلكترونات في حالات تفاعلية حيث تترابط خصائص إحداها الفيزيائية بالأخرى، فإذا تغيرت حالة أحدهما سيتغير الآخر مباشرة في الوقت نفسه. وهذا يعني أنه حتى لو أبعدنا الإلكترونين عن بعضيهما لمسافات كبيرة، ستتغير الحالة الفيزيائية لأحدهما فور تغيّر الآخر في اللحظة نفسها، ما يعني أنّ تبادل المعلومات أو التفاعل بين الاثنين قد حصل بسرعات لامتناهية تفوق سرعة الضوء، إذ «يعرف» الإلكترون ماذا حصل في حالة الإلكترون الآخر فوراً ودون أي تأخير، حتى لو كانا على مسافات بعيدة جدّاً. لذلك قال أينشتاين إنّ هذا التفاعل الذي يحصل في قانون التشابك هو تفاعل مخيف. يجافي هذا القانون منطقنا الفيزيائي، ويضع تحدياً أمام القانون الآخر بأنَّ السرعة الأقصى التي يمكن تحقيقها في أي حركة، سواء للمادة أو للموجات والإشعاعات تبلغ في حدها الأقصى سرعة الضوء في الفراغ. والتفسير الفيزيائي لتلك الظاهرة مرتبط بالخصائص الكمومية لقوانين المعلومات التي تقول بأنَّ هذه المعلومات المخزّنة تتوزع على كل الاحتمالات الممكنة للحالات الفيزيائية، ولا يمكن تحديد وضعية هذه الحالة لأي منظومة إلّا عند قياسها، ما يجبر كل مكوناتها على اتخاذ حالة معيّنة عند القياس من بين تلك المسموحة فيزيائياً. يؤدي ذلك إلى «معرفة» كل إلكترون بما فعله الإلكترون الآخر فيتخذ الحالة الفيزيائية المناسبة فوراً، وكأن تلك المعلومات كانت أصلاً كلها مخزنة فيه باحتمالات متعددة فيأخذ إحداها عند حصول القياس.
الفهم الفيزيائي لهذه الظواهر هو فهم غير كلاسيكي، لأن الظواهر الكمومية تحكمها مجموعة قوانين لا تتناسب مع ما اعتاده المنطق البشري في تفسيراته اليومية لظواهر الأمور. لذلك يبدو كل ذلك أنه يجافي الواقع، بينما في الحقيقة تلك هي قوانين الواقع الموضوعية التي يحتاج العلم لإتقانها من كلّ جوانبها كي يسخّرها في خدمته، ولا يزال هذا البحث النظري والتطبيقات المرتبطة به في بدايات الطريق الطويل.