كثر الحديث في الأسابيع الأخيرة عن نية قوى تحالف العدوان ضد اليمن الاتجاه إلى الحسم العسكري في الساحل الغربي، وبالتحديد محافظة الحديدة، وذلك بغية السيطرة على المرفأ الوحيد الذي يستورد الشعب اليمني من خلاله المواد الغذائية والطبية، ولا سيما في الشمال، حيث تؤكد التقارير الدولية والمنظمات الإنسانية انتشار المجاعة على نطاق واسع جراء استمرار العدوان والحصار الجوي والبحري والبري والتدمير المتعمّد للبنى التحتية وللمنشآت الحيوية في البلد.
قوى «التحالف» تحاول التذاكي، وإطلاق مناورات سياسية مفضوحة؛ ففيما نفى المتحدث باسمها، أحمد عسيري، أن يكون «التحالف» قد طلب من الأمم المتحدة حماية ميناء الحديدة، فإنه في المقابل رأى أن على الأخيرة الإشراف على إدارة الموانئ «حتى لا تُستغل في عمليات هجومية». مع ذلك، استنكر وزير الثروة السمكية في حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، خلال مقابلة مع صحفية «عكاظ» السعودية، ما قال إنه تنصّل الأمم المتحدة من مسؤولياتها في إدارة الميناء، مطالباً المنظمة الدولية بالتصدي، ومتهماً حكومة صنعاء بتهريب السلاح وتهديد الملاحة الدولية، مع الإشارة إلى أن كل السفن التي تفرغ حمولتها في الحديدة يجري تفتيشها في ميناء جيبوتي عبر «الأمم».
وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، قد قال في بداية هذا الأسبوع إن «الأمم» ترفض طلب «التحالف» الذي تقوده السعودية الإشراف على ميناء الحديدة، موضحاً أن على الأطراف المتنازعة في اليمن «مسؤولية حماية المدنيين والمنشآت التحتية»، ومضيفاً أن المجتمع الدولي يرسل مساعداته على أساس احتياجات اليمن وليس لاعتبارات سياسية.
كل المؤشرات تفيد بأن «التحالف» بقيادة السعودية يجهز لعملية عسكرية على ميناء الحديدة، لكن حسابات تلك العملية تتداخل فيها الجوانب المحلية والإقليمية والدولية. ويأتي ذلك بعد المقاربة الأميركية الجديدة للحرب على اليمن، التي ظهرت بتعزيز العمليات العسكرية ضد تنظيم «القاعدة» وإعطاء القيادات العسكرية الأميركية في المنطقة الإذن بالمبادرة والتعامل مع التهديدات من دون الرجوع المركزي إلى إدارة البيت الأبيض، إذ رأى المراقبون أن القرار الجديد «إفساح في المجال للعسكر للعب دور أكبر» بعدما كانوا مقيّدين من الإدارة السابقة.
كذلك تأتي المحاولات العسكرية السعودية بعد تحسّن العلاقة بين واشنطن والرياض، وتبدّد هواجس الأخيرة من الرئيس دونالد ترامب جرّاء خطابه الانتخابي المسيء، الذي رأى فيه السعودية «بقرة حلوباً»، واعداً ناخبيه بتدفيعها ثمن الحماية الأميركية لها، مع مفعول رجعي عمره من عمر المملكة.
توجه واشنطن الجديد ينسجم مع متطلبات الرياض وفق ترتيبها الأولويات، خصوصاً أن الخطة الأميركية الجديدة تجاه «القاعدة» لا بد أن يوازيها أداء أميركي جديد مع مكوّنات حكومة صنعاء، ولأن المقاربة السعودية في الأساس كانت قائمة على الاحتواء الإيجابي للتنظيم والتعامل التكاملي تجاه عدو مشترك بينهما هو «أنصار الله»، إضافة إلى اضطرارها إلى التعامل مع حلفائها المحليين من «ميليشيات الإصلاح» وقوات هادي، رغم ثبوت فشلهما العسكري والسياسي، والتسبب في خلاف عميق مع حليفتها الرئيسية، الإمارات العربية المتحدة، التي تعارض جذرياً الاستفادة من «الإصلاح» الإخواني.
ولنجاح الخطة الأميركية المتوازية، يطلب من جانب النظام السعودي الانتقال من الاحتواء الإيجابي لـ«القاعدة»، إلى تقديمه في سلم الأولويات في الاستهداف والتفريط بورقة التخادم معه، وهذا يقتضي أيضاً فك الارتباط مع الجناح العسكري لحزب «الإصلاح» المتداخل على نطاق واسع مع «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، والواقع يؤكد صعوبة التفكيك بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب.
النظام السعودي يسارع في البحث عن نقاط ضعف الطرف الآخر أو فتح جبهات يفترض أنها تشكل ضغطاً على الواقع الشعبي والسياسي والاقتصادي اليمني. في هذا السياق، يحضر ميناء الحديدة باعتباره الموقع الأكثر تأثيراً في الواقع اليمني الراهن، لكن للوصول إلى المرحلة التنفيذية، عليها إعادة ترتيب برنامج تحالفاتها الداخلية اليمنية وفق متطلبات الخطة الأميركية الجديدة.
في السياق، تتعزز فرضية أن تكون الحملة الإعلامية والسياسية التي تثار حول الحديدة تمهيداً ومقدمة لخطوات عسكرية مستقبلية تجاهه، وهذا يتطلب مجهوداً استثنائياً، لأن خطوة بهذا الحجم لها تداعيات كارثية على المستويين الإنساني والاقتصادي، وهي بحاجة إلى غطاء ودعم أميركي استثنائيين. على هذه الخلفية، من المرجّح، إن لم يكن من المؤكد، أن يكون طرح هذا الموضوع كجزء من جدول أعمال ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع ترامب وأركان إدارته، أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن.
لذلك، إن المرحلة المقبلة هي ترقّب للخطوات الأميركية سياسياً وميدانياً، ليتضح حجم الدور الذي ستلعبه واشنطن والغطاء والدعم اللذين ستوفرهما للنظام السعودي بحق الشعب اليمني في ميناء الحديدة، أو غيره.