كخبر منوّعات، أو ترفيه يرفق في آخر النشرة، عرضت «الجديد» يوم الأحد الماضي، شريطاً مصوّراً لعاملة منزلية رمت بنفسها من الطبقة الرابعة في منطقة خلدة. لقطات قصيرة وثّقت سقوط هذه العاملة، إستخدمتها نشرة الأخبار، في العناوين، ليكون الخبر محط إثارة ومتابعة، لهذا الموت، والإنتحار. بعدها، عرضت الشريط كاملاً، من دون تمويه، أو معالجة خبرية صحافية، سمعنا المعلق يصف هذه الحادثة «بالمؤلمة»، ويخبرنا أن من صوّر هذا الفيديو هم الجيران الذي حاولوا عبثاً إقناع العاملة بالتراجع، وحتى أنهم استعانوا بفتاة تتحدث لغتها.
وكل ذلك لم ينفع. يكتفي المعلق بهذا الكمّ من السرد، تسقط العاملة من فوق الشرفة، نسمع صراخ الجيران، وتحسرهم على هذه الحادثة، ينتهي التقرير هنا، من دون زيادة أو نقصان.
لا شك في أنّ «الجديد» تعاملت مع حادثة الإنتحار كأي متلق لهذا الشريط، مع إضافة بعض التفاصيل الموجودة داخله. لم تدرك المحطة، والقائمون على نشرة الأخبار، أن حادثة الإنتحار ليست عملاً بهلوانياً مسلياً، بل إنّ هناك حياة قررت صاحبتها وضع حد لها، من دون أن يجتهد المعلق على هذا الشريط بالتقصي عن الأوضاع التي كانت تعيشها، وعن إسمها، وعن قضية العاملات الأجنبيات في لبنان، والأرقام العالية للوفيات نتيجة الإنتحار. غاب عن القناة الإحاطة بهكذا قضية إنسانية بالدرجة الأولى، واكتفت باستعراض الموت وتسليعه، في العناوين وداخل النشرة، كأنه خبر عادي يحمل كماً من الإثارة وجذب الإنتباه. كيف لا ونسبة المشاهدة عليه وصلت اليوم الى 24 الف مشاهد/ة؟ طبعاً «رمت بنفسها من الطابق الرابع» عنوان جذاب، للحضّ على الدخول الى هذا الشريط و«التمتع» بالمشاهدة، وإنتظار لحظة السقوط القاتلة.
نعم، وصلنا اليوم، الى حدّ تتحول فيه حادثة إنتحار عاملة منزلية الى فسحة للتسلية، وتمضية الوقت، ولقطة سقوطها، إلى أعلى لحظة سقوط للإنسانية والمهنية الصحافية على حدّ سواء.