هكذا، مثل أي أمر عادي، رضخ الجميع لزيادة الـ 250 ليرة على سعر علبة السجائر. الكل يشكو من ذلك ويستنكره، ليس المدخنون فقط، بل المسؤولون في الدولة أيضاً، وعلى رأسهم وزارة الاقتصاد والتجارة المفوضة قانوناً بمراقبة الأسعار وضبط الغش والاحتكار.
الحديث هنا ليس عن زيادة سعر علبة السجائر بهدف الحدّ من أعداد المدخنين ومن آثار التدخين السلبية على الصحّة، ولا عن زيادة ضريبية تهدف الى زيادة إيرادات الخزينة العامّة، بل عن زيادة فرضها أشخاص محددون معروفون بالاسم والعنوان، استغلوا ما جرى في الجلسة النيابية العامّة، في 16 آذار الجاري، بعدما ناقش النواب زيادة الضريبة بمعدّل 250 ليرة على كل علبة سجائر، إلا أنهم، أي النواب، عمدوا الى فرط هذه الجلسة لتطييرها فطارت معها الزيادة... فلم تُستكمل الجلسة، ولم يُختم محضرها، ولم يصدر أي قانون لزيادة هذه الضريبة، ولم ينشر أي قانون بهذا المعنى في الجريدة الرسمية، وبالتالي لم تُفرض أي ضريبة من هذا النوع حتى الآن، لكن هؤلاء الأشخاص فرضوها على مستهلكي الدخان وزادوا أرباحهم غير المشروعة، التي يُعاقب عليها القانون، ولم يتحرك أحد لردعهم.

المتورّطون برفع السعر محددون
بالاسم والعنوان

يجري تناول هذه الواقعة من قبل المعنيين كما لو أنها "لغز"، أو "سحر"، أو عمل "أيادٍ خفية" غير مرئية، يُصعب ضبطها بالجرم المشهود ومعاقبتها على أفعالها الجرمية! لكن، في الواقع، تتحكم بسوق بيع السجائر مجموعة لاعبين يمكن ضبطهم بكل سهولة:
أولاً- سعر علبة السجائر تحدده الدولة عبر إعلان صريح، يصدر عن إدارة حصر التبغ.
ثانياً- إدارة حصر التبغ (مؤسسة عامّة مملوكة من الدولة تخضع لادارة وزارة المال)، هي الوكيل الحصري لجميع أصناف المصنوعات التبغية. تخضع تجارة منتجات التبغ في لبنان لاحتكار هذه المؤسسة دون سواها، عملاً بالقانون الرقم 151، وهي المؤسسة الوحيدة التي تمتلك سلطة منح تراخيص بيع التبغ، وهي التي تتولى توزيع السجائر عبر شبكة من تجار الجملة (رئاسات البيع) والمفرق (المرخص لهم بالبيع)، وهي المؤسسة المكلفة بمكافحة التهريب.
ثالثاً- يتسلم تجار الجملة السجائر من المؤسسة على أساس نظام حصص محدد. يقوم هؤلاء بتسليم السجائر الى تجار المفرق المرخص لهم. يوجد نحو 800 شخص مرخص لهم بالبيع بالجملة، وهناك لائحة بالأسماء والعناوين لجميع هؤلاء.
بحسب المعلومات، ارسلت ادارة حصر التبغ كتابا الى وزير المال، علي حسن خليل، وابلغته انها امام خيارات محددة: امّا ان ترفع سعر علبة السجائر بالقيمة نفسها للضريبة المقترحة. وامّا ان يستغل التجار ذلك لتخزين السجائر بالاسعار السابقة وجني الارباح بعد اقرار الضريبة. وامّا وقف تسليم السجائر الى السوق.رد الوزير خليل ببساطة: ارفعوا السعر، علما انه احتج في جلسة مجلس النواب على هذا الاجراء معتبرا انه يضر بعائدات الدولة ويشجع على التهريب!
كان بإمكان وزارة المال وإدارة حصر التبغ والمديرية العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، بموجب القوانين المرعية الإجراء، أن يقعموا بكل سهولة وبساطة كل تاجر يستغل مناقشة الضريبة لتخزين البضائع، بدلا من رفع السعر، وتملك الادارة صلاحية سحب الرخص من جميع التجار المتورطين بزيادة سعر علبة السجائر.
يقدّر عدد المدخنين في لبنان حالياً بنحو 1.5 مليون مدخن، يستهلك هؤلاء 1.5 مليون علبة سجائر يومياً كمتوسط عام، أي أن الارباح الاضافية كل يوم تقدر بنحو 375 مليون ليرة إضافية بطريقة غير مشروعة. أي أنهم ربحوا بهذه الطريقة نحو مليار و500 مليون ليرة في 4 أيام فقط منذ الجلسة النيابية الشهيرة.
(الأخبار)