«إن طريقة سحق البورجوازية هي طحنها بين حجارة الضرائب والتضخم»فلاديمير لينين

بالأمس، هناك من غضب في العلن أو سكت ولكن بالتأكيد ضحك في سره من التطورات التي حصلت في المجلس النيابي، التي أدت إلى تعليق الجلسة التي كانت من المفترض أن تكون الأخيرة لإقرار السلسلة. هنا في خضم العاصفة الحقيقية والافتراضية التي حصلت يوم الجمعة لا بد من الملاحظات التالية:
أولاً، قد يكون أكثر الذين ضحكوا في السر هم الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف والتجار والريعيين وأصحاب الرساميل الكبيرة، لأنهم يأملون أن الوصول إلى الحائط المسدود سيؤدي إلى التخلي عن رفع الضرائب عليهم، ووقف العمل بوضع الضرائب الجديدة كضريبة الربح العقاري أو ضريبة "أرباح استثنائية" windfall profit tax على السوبر أرباح، التي حققتها المصارف في "الهندسة المالية" التي أجراها المصرف المركزي، والتي قيل إنه قد ارتفعت أصوات داخل وخارج مجلس الوزراء بتدفيعهم إياها لتصل إلى 30% على هذه الأرباح.

ثانياً، إن ربط الزيادات الضريبية بالسلسة هو أمر خاطئ قانونياً واقتصادياً. فالموازنة وهي الأولى منذ 2005 يمكن اعتبار إنفاقها البالغ حوالى 25 ألف مليار ليرة كله إنفاقاً جديداً. وإن إظهار السلسلة وكأنها البند الإنفاقي الوحيد الذي بحاجة إلى تمويل وبالتالي وضع في مقابلها "سلسلة ضرائب"، والتي بدأ المجلس النيابي في إقرار السيئ منها أولاً في لعبة سياسية واضحة، ما هي إلا محاولة لتقسيم الشعب اللبناني بين المستفيدين من السلسلة وسائر الشعب الذي سيدفع الضرائب في مقابل هذه الاستفادة. للأسف إن تأليب الشعب اللبناني ضد بعضه البعض قد نجح، فأصبح المشهد يوم الجمعة هو بين لبناني عادي ستزيد عليه الضرائب بشكل جنوني وموظف في القطاع العام يريد زيادة غير مشروعة على أجره، بدلاً أن يكون الانقسام بين الطبقات المتوسطة والعاملة في القطاع العام والقطاع الخاص من جهة والهيئات الاقتصادية والمصارف وأصحاب الرساميل الكبيرة والريعيين العقاريين من جهة أخرى.
ثالثاً، إن هذا الحدث المباشر قد سبقته عملية ممنهجة لشيطنة الضرائب كلها وتأليب الناس ضدها.

يجب أن يكون التظاهر للمطالبة بزيادة الضرائب على الرساميل بأنواعها،
لا ضد السلسلة
وبدلاً من أن ينساق الجميع في "صيد الساحرات" هذا كان لا بدّ للبعض من أن يقف ويسأل لماذا هذه هي المرة الثانية (الأولى بعد طرح مشروع التغطية الصحية الشاملة في 2011) التي تتم فيها هذه "الشيطنة"؟ الجواب إن في الحالتين أمرين متشابهين: زيادة في الأجور أو الأجر الاجتماعي من جهة وزيادة الضرائب على الأرباح والفوائد والريع من جهة أخرى أي في الحالتين كان سيكون هناك تحويل للدخل من الأثرياء إلى الشعب كافة أو إلى أجزاء من الطبقتين المتوسطة والعاملة، ولهذا انضمت كل القوى الراسمالية والسياسية والإعلامية إلى هذه الحملة ضد هذه "الأشباح"، التي تهدّد مصالح الطبقات التي اعتادت لأكثر من 25 عاماً على أن يتم تحويل الدخل والثروة إليها وليس منها وآخرها الـ 6 مليارات دولار للمصارف التي يدفعها المصرف المركزي من عائداته من سندات الخزينة أي من دافعي الضرائب اللبنانيين. ففي الأوقات الأخرى لم نسمع من اليمين الاقتصادي هذه المعارضة الشرسة للضرائب لأنها كلها من tva إلى الضرائب على المحروقات وغيرها كلها كانت ضرائب استهلاكية يقع ثقلها وعبئها على عموم الشعب اللبناني. والبعض ربما يذكر كيف قامت وزارة المالية بأكبر حملة دعائية في الشوارع ديماغوجية كاذبة لتسويق ضريبة tva على أنها ضريبة عادلة تصيب الأغنياء أكثر من العمال والموظفين ولم نسمع اعتراضاً يومها من هؤلاء الراسماليين الذين يعترضون اليوم، لأنهم كانوا يعلمون الحقيقة كما هم أيضا يعلمونها اليوم!
رابعاً، صحيح أن الضرائب غير المباشرة، مثل زيادة الـ tva إلى 11% والرسوم الأخرى على السجائر وبعض المعاملات والمازوت وغيرها، ستؤثر عامة بشكل سلبي في المواطنين، إلا أن تضخيم وقعها السيئ هذا وجعلها وكأنها ستؤدي إلى زيادات ضخمة في الأسعار وتهدد حياة الفقراء والعمال والطبقة المتوسطة وصولاً إلى ما أشيع عن أنها ستؤدي إلى اقتطاع ثلث الحد الأدنى للأجور هو غير صحيح ويدخل في إطار استراتيجية "الشيطنة" هذه. فإذا أخذنا الذي دخله 675 الف ليرة فهو ينفق أكثر دخله على سلع معفاة من الـ tva مثل بعض أبواب الغذاء والصحة والتعليم وغيرها، كما أنه لن يصيبه أي شيء يذكر من ضرائب (الكحول المستورد، ضريبة السفر، رسوم كتاب العدل، الضريبة على الإسمنت ورسوم البناء الخ)، وبالتالي وعلى الرغم من أنه سيصاب بغيرها (رسم الفواتير، المازوت،...) إلا أن هذه الزيادات لن تكون كارثية. الصحيح أن هذه الرسوم والضرائب السيئة وضعت بطريقة محاسباتية ضيقة، كأن هناك من جلس ووضعها في غضون ساعة لا أكثر بهدف تجميع المال من هنا وهناك. ولكن إذا أخذنا ما يطرح من ضرائب على الأرباح والفوائد والريع العقاري ووقف العمل بتنزيل الضريبة على الفوائد من الضرائب على أرباح المصارف، فإن إيجابيات هذه الضرائب يفوق سيئات الضرائب الأخرى. وهنا السؤال: لماذا لم يبدأ المجلس بإقرار هذه الضرائب أولا؟ لماذا بدأوا بالعكس؟ هل لأنهم يخافون من المصارف والعقاريين والتجار الاحتكاريين والرساميل الكبيرة أكثر مما يخافون من الشعب؟ فليتصور كل قارئ لهذه السطور لو أن المجلس بدأ بإقرار زيادة ضريبة الأرباح إلى 17% وضريبة الفوائد إلى 7% وأقر ضريبة الربح العقاري 15% وأوقف العمل بالسماح للمصارف بتنزيل الضرائب المدفوعة على مدخولها من فوائد السندات من الضرائب على الأرباح، وبعد ذلك زاد الضريبة على الـ tva هل كان هناك من سيعترض من الشعب؟
خامساً، إن أكثر ما يخافه "القطاع الخاص" ليس السلسلة ذاتها ولا رفع الضرائب عليه حتى، بل يخاف انتقال عدوى زيادة الأجور من القطاع العام إلى القطاع الخاص لأن انتصار الطبقة العاملة في أي مكان يخيفها وهذا هو ما يدفعهم للمعارضة الشرسة للسلسلة. إذا أخذنا التجار مثلاً، أيعرف أحد لماذا هم ضد الضرائب الجديدة؟ فلا الزيادة الضئيلة على الـ tva ولا ضريبة الحاويات الجديدة أو غيرها ستُحدث أي زيادة تذكر بالأسعار لتؤدي إلى أي انكماش بالمبيعات، وهم لا شك يعرفون ذلك أكثر من غيرهم. كما أن تحولهم إلى "كينزيين" من حيث أنهم ضد زيادة الضرائب في حالة الركود أيضاً لهي حيلة يجب أن لا تنطلي على أحد.
سادساً، إن التهديد والوعيد من أن الضرائب على المصارف والفوائد والريع العقاري ستؤدي إلى تهديد الاقتصاد اللبناني، هو غير صحيح بالمطلق. فلا هذه الضرائب ستؤثر في الاستهلاك لأن أكثرها لا ينفق على الاستثمار الحقيقي في المصانع ووسائل الإنتاج، لأن أكثرها يخزن في المصارف ولدى المصرف المركزي يمتص الفوائد من جيوب المواطنين أو يُستعمل في رفع أسعار الأصول غير المنتجة مثل الأراضي والعقار فيقصي اللبنانيين من السكن (وليس ضريبتي الإسمنت والبناء!). كما أن الراسمال المصرفي والمالي لن يذهب إلى أي مكان، لأن لا مكان في العالم يؤمن له التوليفة المثلى من عائدات مرتفعة وضرائب منخفضة وسلطة اقتصادية - سياسية واسعة. وهو في محاولاته للتوسع الخارجي قد أحرق أصابعه ليعود مهرولاً إلى المصرف المركزي لإنقاذه عبر هبة الـ 6 مليارات دولار، فعن أية رأسمالية أو اقتصاد حر يتكلمون؟ وهم والمصرف المركزي غطوا خسارتهم وزادوا من رأسمالهم على حساب الخزينة اللبنانية؟ فكفى رياء هنا! ولنعتبر أن هذه إشاعات وأن "الهندسة المالية" كانت من أجل سد العجز في ميزان المدفوعات ورفع احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية، أي دفاعاً عن الليرة، وهنا على الحكومة إذاً فرض ضريبة "أرباح استثنائية" 100 بالمئة، لأن لا مبرر للمصارف أن تربح ليرة واحدة من هذه الهندسة. فليختاروا أيها كانت أهداف هذه "الهندسة" الأولى أم الثانية؟
لكل هذا، فمن حق اللبنانيين عمالاً وطبقة متوسطة وفقراء أن يتظاهروا في الشارع، ولكن عليهم أن يعوا أنهم يتظاهروا لماذا وضد من. فهناك مخاطر أن يتم استغلال التظاهر باتجاه إلغاء كل شيء من السلسلة إلى الضرائب السيئة منها والجيد وتعود البلاد إلى نقطة الصفر، أي إلى ما قبل الموازنة، ويبقى النموذج الاقتصادي القديم بكل قواه ورموزه مسيطراً. بالتالي يجب أن يتظاهر اللبنانيون ليس ضد "الضرائب" بل مع السلسلة وليس ضد "سلطة سياسية فاسدة" مبهمة، بل مع زيادة الضرائب على الرساميل بأنواعها وليس ضد بعضهم البعض مدفوعين بتصنيفات "طائفية" للضرائب وللسلسلة، بل سوية طبقات عاملة ومتوسطة وفقراء ضد النموذج الاقتصادي القديم لأنهم فقط بهذا يبدأون فعلاً بتغيير اقتصادي- سياسي يخلع عن لبنان الرداء- المكبل المكون من الريعية والمركنتيلية والطائفية والفردية المدمرة وينقله إلى رحاب التقدم الاقتصادي والعصرية السياسية والعدالة الاجتماعية.