اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، خفضاً كبيراً في الإنفاق على الفنون والعلوم والمساعدات الخارجية وحماية البيئة، في ميزانيته الأولى التي تركز بشكل خاص على الأمن، وسط توقعات بأن يلقى صعوبة في الحصول على موافقة الكونغرس عليها. وفيما طالت التخفيضات، على المستوى الدولي، مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، فقد حرصت وزارة الخارجية الأميركية على التأكيد أن هذه التخفضيات لن تطال إسرائيل، في حين أن مساعدات كل من مصر والأردن تخضع للتقييم.
وفي ترجمة لوعوده الانتخابية المتشددة، اقترح ترامب شطب عشرات البرامج، مثل تمويل حماية المناخ والبيئة، فيما زاد نفقات وزارة الدفاع بقيمة 52 مليار دولار. ولا تحظى هذه الموازنة بفرص كبيرة للمصادقة عليها في الكونغرس كما هي، لكنها تترجم بالأرقام برنامج ترامب الذي يتمحور حول شعار "أميركا أولاً". وقال ترامب، في مقدمة الميزانية، إنها تجعل السلامة والأمن "الأولوية رقم واحد لنا"، مضيفاً أنه "من دون السلامة لا يمكن أن يتحقق الازدهار".
وستكون وزارة الخارجية وهيئة حماية البيئة من أكبر الخاسرين في هذه الميزانية، حيث ستخفّض نفقاتهما بمقدار الثلث. وقد يكون ذلك نذيراً بخفض كبير في المساعدات الخارجية، وتمويل منظمات الأمم المتحدة، ما سيكون له تداعيات في أنحاء العالم. وستكون وزارة الدفاع الرابح الأساسي في الميزانية، مع زيادة بقيمة 54 مليار دولار (حوالى 10%)، بحيث ستصبح ميزانية الولايات المتحدة أكبر من ميزانية الدول السبع التي تلي الولايات المتحدة من حيث نفقات الميزانية، مجتمعة. كذلك سيتم تخصيص نحو 4 مليارات دولار هذا العام، والعام الذي يليه، للبدء ببناء جدار على طول الحدود الأميركية مع المكسيك.
وبموجب الميزانية الجديدة، سيتم إلغاء مخصصات الفنون والعلوم الإنسانية، وتمويل الصندوق الوطني للفنون (ناشونال انداومنت فور ذي ارتس). وقال مسؤول الميزانية في البيت الأبيض، ميك مولفاني، إن "هذه ميزانية للقوة الضاربة وليس للقوة الناعمة".
وتنص الوثيقة على خفض بنسبة 28 في المئة للأموال المخصصة لوزارة الخارجية المسؤولة عن دبلوماسية أول قوة عظمى في العالم. وتراهن أيضاً على خفض كبير بـ31 في المئة للأموال المخصصة لوكالة حماية البيئة، التي تُعنى بالتصدي للتقلبات المناخية. واقترح ترامب الاقتطاع في الموازنة المخصصة لهذه الوكالة بـ2,6 مليار دولار، خصوصاً من خلال إلغاء حوالى 3200 وظيفة، أي حوالى خمسها. كذلك، اقترح وقف المشاركة الأميركية في الصندوق الأخضر للأمم المتحدة للبيئة (غرين كلايمت فاند).
وأكد البيت الأبيض أن الخفض سيتعلّق خصوصاً بالمساعدة الدولية، وأن الموازنة ستسمح بالحفاظ على "الوظائف الدبلوماسية الأساسية" في وزارة الخارجية، التي تعدّ 70 ألف موظف و250 سفارة وقنصلية.
وبحسب الوثيقة، فإن المساهمة الأميركية في الأمم المتحدة "ستخفّض"، ولن تساهم واشنطن "بأكثر من 25 في المئة في نفقات عمليات حفظ السلام". كذلك ستقلّص المساهمات في المصارف التنموية، ومنها البنك الدولي، بـ650 مليون دولار على ثلاث سنوات. أما موازنة المراكز الوطنية للصحة (ناشونال انستيتيوتس اوف هيلث)، أكبر مؤسسة حكومية مكلفة بالأبحاث الطبية، فستخفّض بـ5,8 مليارات دولار.
وقال الرئيس الأميركي، لدى عرضه مسودة الميزانية التي تأتي في أكثر من خمسين صفحة: "في هذه الأوقات الخطيرة، الموازنة العسكرية الوطنية رسالة للعالم حول قوة أميركا وتصميمها".
ويعتبر نشر الوثيقة بداية لمعركة طويلة مع الكونغرس، لأنه هو الذي سيحسم الأمر وليس البيت الأبيض.

أكدت وزارة الخارجية أن التخفيضات لن تطال إسرائيل
ولا توافق بين الغالبية والرئيس، وإن كان الجمهوريون يسيطرون على مجلسي الكونغرس.
من جهة أخرى، ندّدت الأمم المتحدة بما احتوته هذه الوثيقة من تخفيضات في المساهمات الأميركية.، وحذّرت من "اقتطاع" في تمويلها. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن "الأمين العام (انطونيو غوتيريش) معني تماماً بإصلاح الأمم المتحدة، لتكون مستعدة لتقديم اقتراحات والحصول على نتائج في الشكل الأكثر فاعلية". ولفت المتحدث إلى أن غوتيريش "مستعد لأن يبحث مع الولايات المتحدة، ومع أي دولة عضو أخرى، في السبيل الأفضل لمتابعة أهدافنا المشتركة والتمسك بقيمنا"، موضحاً أن الأمين العام سبق أن تشاور مراراً مع السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي.
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الميزانية التي اقترحها ترامب لن تخفّض المساعدات الأميركية لإسرائيل، في حين لا يزال مستوى المساعدات للدول الأخرى، ومنها مصر والأردن، قيد التقييم. وقال المتحدث باسم الوزارة، مارك تونر: "مساعداتنا لإسرائيل مضمونة، وتعكس بوضوح التزامنا القوي بدعم أحد أقوى شركائنا وحلفائنا". وأضاف: "في ما يتعلّق بمستويات المساعدات الأخرى، مستويات المساعدات العسكرية الخارجية، فهي لا تزال قيد التقييم، وسيتم اتخاذ قرارات لاحقاً"، مشيراً إلى أن الالتزامات بموجب المعاهدات ستمثل عاملاً في ذلك.
(رويترز، أ ف ب)