منذ تعمّق التعاون الأميركي ــ الروسي في ملف التسوية السورية مطلع العام الماضي، حتى انهياره بعد فشل «اتفاق جنيف»، وما تلاه من «انكفاء» أميركي في انتظار سياسة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، حاول الاتحاد الأوروبي بالتعاون والتنسيق مع عدد من القوى الإقليمية كسر الاحتكار الثنائي لإدارة الملف السوري، مندفعاً من حساسية التبعات التي لحقت بأعضائه جراء سنوات النزاع الممتدة.
فتمدد الإرهاب ووصوله إلى عدد من العواصم الأوروبية استدعى حراكاً نشطاً لدرء المخاطر، لا سيما عقب موجة اللجوء الضخمة التي أربكت دول الاتحاد. وكان جلياً أن الأوروبيين بحاجة إلى التعاون مع الأزمات الواردة إليهم، عند أقرب نقطة من منبعها، وهو ما حملهم إلى أنقرة، رغم الفاتورة الضخمة التي طلبتها، في ضوء قطيعتهم مع دمشق التي تملك مفاتيح جوهرية لعدد من مشاكلهم.
وفي ظل غياب العلاقات الرسمية من جهة، والعقوبات الأوروبية التي طالت مؤسسات الدولة السورية وعدد من مسؤوليها على حد سواء من جهة أخرى، كان من البديهي ألا تبدي دمشق أي تعاون من طرف واحد، رغم استعدادها للتنسيق في عدد من الملفات ضمن الأطر الرسمية، أي بعد عودة العلاقات ورفع العقوبات.
ومن جانبها دمشق، عملت عبر القنوات غير الرسمية على إيصال رسالتها بوضوح إلى الأوروبيين، مؤكدة في عدد من المناسبات على أن العقوبات تطال الشعب بجميع فئاته وتلعب دوراً تخريبيباً في سوريا، يوازي دور الإرهاب.
الرسالة الأخيرة تكررت خلال زيارات عدة وفود أوروبية ــ غير رسمية ــ إلى دمشق، وكان آخرها قبل أيام. الوفد الذي يرأسه نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي خافيير كوسو، تميّز عن الوفود التي سبقته بأنه ضم نواباً ينتمون إلى طيف واسع من الكتل البرلمانية الأوروبية، وينتمون إلى تيارات تتنوع بين «يمين الوسط» و«ليبرالية» و«حزب الخضر».
الوفد الذي جال في مدينة حلب والتقى عدداً من رجال الدين ومسؤولي المدينة واطلع على نشاطات الإغاثة التي تقوم بها منظمة الهلال الأحمر السوري، اختتم زيارته بلقاء الرئيس بشار الأسد، ووزير الخارجية وليد المعلم، وعدد من النواب السوريين.

سيعمل الوفد الأوروبي
على دعوة نواب سوريين
لزيارة بروكسل

وخلال اللقاء، شدد الأسد للوفد على أن سياسات عدد من الدول الأوروبية، المتمثلة في دعم التطرف والإرهاب وفرض العقوبات الاقتصادية، هي التي أدت إلى «ما نشهده اليوم من انتشار للإرهاب وتوافد أعداد كبيرة من اللاجئين إلى تلك الدول»، مؤكداً استعداد دمشق لتوفير الظروف اللازمة لعودة هؤلاء اللاجئين.
أما الوفد الأوروبي، حسب أحد الحاضرين، فقد أكد أن هدفه المرحلي من الزيارة هو كسر التوجه النمطي الأوروبي لمقاطعة دمشق، ومحاولة لإعادة العلاقات مع مجلس الشعب السوري. ولفت إلى أنه سيعمل على دعوة نواب سوريين لزيارة بروكسل، إلى جانب تنسيق مجموعة لدعم الحل السياسي عبر عمل كل نائب مع كتلته النيابية لتحشيد رأي بديل حول الملف السوري.
والتقى الوفد سفيرة جمهورية التشيك في دمشق إيفا فيليبي، التي أصبحت تشكل جسراً لجميع الوفود والشخصيات الأوروبية التي ترغب في زيارة سوريا، وهي تملك خبرة طويلة في مجال العمل الديبلوماسي في البلاد، وتم التمديد لها على رأس عملها رغم استحقاق مغادرتها للمنصب نظراً إلى سنّها.
وتأتي أهمية زيارة الوفد أيضاً، في ضوء إقرار المفوضية الأوروبية في اجتماعها، أول من أمس في ستراتسبورغ، استراتيجية جديدة تجاه سوريا تهدف إلى تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في إنهاء الصراع و«تحقيق السلام». الرؤية الجديدة تعتمد على منطق براغماتي واضح، إذ يعرض الاتحاد مشاركة فعالة في إعادة الإعمار بعد توقف الحرب، بشرط حصول انتقال سياسي واضح وصريح وفق القرار الأممي 2254.
ومن المقرر أن تطرح مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد فيديريكا موغيريني الاستراتيجية على وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد، خلال اجتماع سيعقدونه في بروكسل في الثالث من نيسان المقبل، أي قبل يومين من اجتماع الدول المانحة (70 دولة ومنظمة دولية وإقليمية) الذي سيعقد تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في المدينة نفسها.
وتحدد الوثيقة عدداً من الاهداف الاستراتيجية للاتحاد، تتمثل في «سوريا موحدة وديموقراطية، مع نظام سياسي تعددي يحترم سيادة القانون وحقوق الأفراد على مبدأ المواطنة والمساواة.... وسوريا قوية وآمنة، فيها دولة قادرة ومؤسسات فاعلة وجيش وطني واحد وشرطة وقوات أمن يمكن مساءلتهم. وأخيراً، سوريا مستقرة، فيها نظام سياسي مستقر واقتصاد قوي».
وتوضح الوثيقة أن تحقيق هذه الأهداف يقتضي إتمام عدد من الغايات الأساسية مسبقاً، وهي: «وضع حد للحرب من خلال عملية انتقالية سياسية تتفاوض بشأنها مختلف أطراف النزاع، وتعزيز عملية انتقالية تشمل الجميع، وتقديم الدعم للمعارضة، وتعزيز المصالحة الوطنية والتصدي للطائفية ومكافحة التطرف وتحقيق العدالة من خلال محاسبة مرتكبي جرائم حرب...».
ولا تستثني الاستراتيجية إمكان مشاركة الاتحاد الأوروبي في «دعم بناء مستقبل سوريا» والمساعدة في إعادة الإعمار، بشرط أن تشهد البلاد «عملية انتقال سياسي حقيقية وشاملة». وفي ما يخص إعادة تشغيل الاقتصاد الوطني، تشير إلى إمكان أن «يلعب صندوق النقد الدولي دوراً في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، بالتعاون مع البنك الدولي». وفي السياق نفسه، تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيتعاون مع الدول المجاورة لسوريا، والمؤسسات المالية الدولية العربية... من أجل مناقشة كيفية دعم العودة الآمنة والطوعية والكريمة لللاجئين والنازحين داخلياً».
وتعدد الوثيقة بعض الخطوات المحتملة التي قد يتخذها الاتحاد غداة «الانتقال السياسي»، ومن ضمنها: «رفع التدابير التقييدية الحالية (العقوبات) على من يدعم النظام، واستئناف علاقات التعاون مع الحكومة السورية».
(الأخبار)