لا يعرف كثيرون هنادي الجردلي قطب، لكن صيدا اليوم تشبه هذه "المرأة" إلى حد كبير. منذ 22 عاماً، تشغل الجردلي منصب مديرة مدرسة "حسام الدين الحريري" (سميت كذلك تكريماً لذكرى وفاة حسام ابن الرئيس رفيق الحريري)، وهي تابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا.

خلال فترة وجيزة، استطاعت هذه المرأة أن تحقق للصرح التربوي الكثير على صعيد المكانة والمستوى الأكاديمي في صيدا ومحيطها. خرجت عن التقليدية السائدة، وتجرأت على اعتماد إدارة حديثة وسياسات تعليمية جديدة تبنتها واعتمدتها وتحملت مسؤوليتها، ما دفع بالمدرسة إلى التقدم على نظيراتها.
منذ أسبوع، تضجّ المدينة بخبر استقالة الجردلي من المدرسة. قد يكون الخبر بالنسبة إلى الكثيرين عادياً، يحصل مثله العشرات في مؤسسات مختلفة، لكن صيدا تعيش تداعيات قبول مجلس إدارة المقاصد هذه الاستقالة. تداعيات وصلت إلى حدّ الدعوات إلى الاعتكاف عن التعليم، وتنظيم اعتصامات مؤيدة للمديرة، حتى تنظيم تظاهرة في أحد شوارع المدينة السبت المقبل لمطالبة المجلس بالعودة عن قبوله الاستقالة. فالأمر في جوهره يبدو أكبر من مجرد قرار إداري لمجلس جمعية محلية.
ما الذي جرى؟ تقول مصادر مطلعة إن الجردلي أطلقت قبل سنة ما يعرف بـ"اليوم المقاصدي الرياضي"، وحددت موعده من يومها، ونالت موافقة مجلس الجمعية عليه. إلا أن "ماراتون صيدا الدولي" ظهر أخيراً، وجرى تحديد موعده في الموعد نفسه لـ"اليوم المقاصدي الرياضي"، ما أدى إلى تضارب. تشير المصادر المتابعة إلى أن رئاسة جمعية المقاصد طلبت، تحت ضغط النائبة بهية الحريري، من مديرة المدرسة تأجيل موعد اليوم الرياضي إلى شهر أيار المقبل، لكن إدارة المدرسة رفضت ذلك باعتبار أن موعده محدد قبل سنة، أي قبل أن يولد "ماراتون صيدا"، وأن الموعد المقترح لا يناسب الروزنامة الأكاديمية للعام الدراسي. لم يرقِ الأمرُ الهيئةَ العامةَ للجمعية، إذ اعتبرته تحدياً لقرارها، الذي صوّتت عليه من دون الرجوع إلى إدارة المدرسة. لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أبلغت الجمعية اللجنة المنظمة لماراتون صيدا أنها كمقاصد (تضم 3 مدارس، عدا مدرسة حسام الدين الحريري) ستشارك بنحو 1000 تلميذ لإنجاح الحدث الرياضي الصيداوي، وذلك من دون الرجوع إلى إدارات المدارس.
تشير المصادر المطلعة الى أن الجردلي كانت قد تقدمت من الهيئة العامة للجمعية بالاستقالة الشفهية مرتين خلال السنوات الماضية، لكن رئاسة الجمعية كانت دوماً تعمل على معالجة الأمر، نظراً إلى الإنجازات التي حققتها المرأة، وحفاظاً على تميز المدرسة ومنع أي تأثير سلبي على مسيرتها، لكن الاستقالة الخطية هذه المرة كانت نقطة تحول في التعاطي مع الموضوع. فحتى محاولة لجنة الأهل في المدرسة ثني رئاسة الجمعية عن قراراها جوبه بالرفض، باعتبار أن الهيئة العامة لم تُقِلها بل قبلت استقالتها.
تختصر رسالة الوداع التي وجهتها الجردلي إلى العاملين في المدرسة معاناة كل من يحاول أن يغرد خارج السرب في صيدا. تشير في رسالتها إلى أنها واجهت خلالَ مسيرتها المهنية الكثير من الصعوبات الداخليّة والخارجيّة، "إلّا أنّ ما أختبرُهُ اليومَ من شعورٍ بأنّني لم أعد قادرةً على توجيهِ هذه المدرسة نحوَ المستقبلِ، الذي كنتُ أصبو إليه والذي يتناسبُ مع الرؤيةِ التربويةِ التي رسمناها معاً، وفي مقدّمتِها الولاءُ للمقاصد وروحُ القيادةِ وعدم التبعية والشفافية والمساءلة وعدم تضارب المصالح وعدم الذوبان في هويّةِ الآخرين، قد وضعَني في مواجهةٍ شرسة، إلا أنّ الغلبةَ كانت لعقلي العنيد الذي يحرصُ، مهما غلتِ الأثمان، على الالتزام بمبادئي الشخصية والمهنية وبقيمِ الصدق والانتماءِ والأمانةِ والعملِ المؤسّساتي السليم الذي يحفظُ مكانةَ المؤسّسة ويصونُ تميّزَها وفرادتَها".