نشرت بلدية بيروت، أمس، تقريراً زعمت أنه صادر عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، يتحدّث عن "وجود نوع من الحشرات من فصيلة الحفار في جذوع الأشجار المصابة"، ويحذر من "الوضع الدقيق الذي يمر به الحرج من حيث سرعة وكثافة الإصابة وخطر تفاقم المشكلة في فترة زمنية قصيرة"، ويقول "إن التدخل لمكافحة هذا النوع من الحشرات هو أمر طارئ"، ويخلص الى اقتراح "إغلاق الحرج أمام الزوار، على الأقل في فترة المعالجة، التي يمكن أن تمتد حتى نهاية شهر حزيران، وذلك حرصاً على سلامة الزوار، كون المعالجة سوف تتضمن استخدام مبيدات كيمائية تشكل خطراً على الصحة العامة".
بالفعل، أقفلت بلدية بيروت حرج الصنوبر يوم الاحد في الخامس من الشهر الجاري، من دون أي سابق إنذار، بل جرى الاقفال بشكل مفاجئ، حيث جرى طرد الرواد منه كما لو أن أمراً طارئاً قد وقع، وهو ما طرح تساؤلات وشكوكاً حول طبيعة هذه الخطوة واهدافها الفعلية.
المفاجأة جاءت من الامين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، معين حمزة، الذي وصف ما نشرته البلدية على أنه تقرير صادر عن المجلس بـ"بيان البلدية"، وقال في حديث الى إذاعة "صوت الشعب" إنه "قرأ بيان البلدية، وهو لا يوافق على كل ما ورد فيه (...) لأنهم حاطين فيه اشياء لم نقلها"، موضحاً: "نحن قلنا لهم إننا على استعداد لأن نقوم بمسح، والمسح يحتاج الى وقت، وطلبنا منهم وقف العمليات التي تقوم بها البلدية، لأن العمليات التي تقوم بها لا تجري في الوقت المناسب وبالمبيدات المناسبة"، ليتّهم البلدية بأنها "نطت من هذا الكلام الى انو منسكر الحرج"، نافياً أن يكون المجلس قد طلب إقفال الحرج، ومشيراً الى أن هناك "أناساً راحوا أكثر مما ينبغي".
"الأخبار" حاولت الاستفسار أكثر من حمزة، إلا أنه اكتفى بالقول "إن التقرير الأوّلي الذي وضعه المجلس، كان واضحاً لجهة توصيته بإقفال الحرج خلال فترة المعالجة وليس قبلها"، وقال إن "البلدية لم تبدأ المعالجة بعد"، محيلاً السؤال عن سبب إقفاله قبل بدء المعالجة الى البلدية نفسها.
إلا أن حمزة، على الرغم من ذلك، يرى ضرورة للالتفات الى "أولوية الحفاظ على أكثر من 500 شجرة صنوبر"، ويعتبر ذلك "أهم حالياً من مسألة فتح الحرج أمام زواره"، واصفاً وضع الأشجار في الحرج بـ"السيّئ جداً". وركز على ضرورة النظر الى قضية الحرج من ناحية سلامة الرواد، وبالتالي عدم الانجرار الى "حماسة" الراغبين في ارتياد الحرج، من دون أن ينكر أهمية الاستمتاع بارتياده.
حتى الآن، ليس واضحاً ما يحصل، إلا أن اللافت هو تزامن خطوة إقفال الحرج أمام الرواد مجدداً مع استئناف الأعمال في "المُستشفى الميداني" على الموقف الخلفي للحرج، وهو ما أثار استياء العديد من الناشطين، الذين ذكّروا بوعود رئيس بلدية بيروت الحالي، جمال عيتاني، حول عدم بناء المستشفى والسعي الى إيجاد عقار بديل.

تزامن إقفال الحرج
مع استئناف الأعمال في «المُستشفى الميداني»


ما تظهره المعطيات، أنه بتاريخ 2 شباط الماضي، طلب محافظ بيروت زياد شبيب من المجلس الوطني للبحوث العلمية "تشخيص أمراض حاصلة على أشجار الصنوبر في حرج بيروت". بناءً على هذا الطلب، وضعت إليز نجيم ونبيل نمر تقريرهما الفني "بعد إجراء الكشف الميداني، وأخذ عينات مباشرة من المناطق المُصابة، واستشارة الخبراء الدوليين المُختصين في هذا المجال".
لم توزّع البلدية سوى صورة واحدة من النسخة الاصلية، وهي عبارة عن كتاب إحالة حمزة للتقرير الى محافظ بيروت، مؤرّخ في 1 آذار الجاري، ويرد على هذه الصفحة العبارة الآتية: "إنّ الوضع الحالي لحرج بيروت غير سليم وينذر بتوسّع الإصابة مما يُهدّد بيباس كامل الأشجار، إذا لم تعتمد آليات دقيقة وعلمية ومنهجية للمعاينة والمعالجة والمتابعة".
هل حصل تزوير للتقرير الفني المرفق مع هذا الكتاب؟ هذا ما يشكّ فيه عدد من الناشطين المدافعين عن الحرج، الذين استندوا الى حديث حمزة الى إذاعة "صوت الشعب".
ماذا في التقرير المذكور؟ يقول إن الكشف الميداني أظهر أن سبب اليباس في أشجار الصنوبر المُصابة هو "وجود نوع من الحشرات من فصيلة الحفار في جذوع الأشجار المصابة، وبكمية لا تقل عن 3 يرقات/10 سم2 وبمراحل متعددة من دورة حياتها". يُعرف هذا النوع من الحشرات بمهاجمة الأشجار الضعيفة (التي تعرضت لنوع من أنواع الـStress، سواء من جراء التغيرات المناخية أو من العوامل المرتبطة بالممارسات الحقلية) والأشجار الأكثر نضجاً، والتي هي أيضاً في مرحلة اليباس (الشيخوخة)، إضافة الى تعرضها لتلوث الهواء والجفاف، ما جعلها أشجاراً ضعيفة عرضة أكثر لهذا النوع من الحشرات.
ويضيف التقرير الذي نشرته دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت: "نظراً للوضع الدقيق الذي يمر به الحرج من حيث سرعة وكثافة الإصابة وخطر تفاقم المشكلة في فترة زمنية قصيرة، فإن التدخل لمكافحة هذا النوع من الحشرات هو أمر طارئ وينقسم الى مرحلتين: المرحلة الأولى، وهي الخطوات التي يجب اتباعها على المدى القصير في ظل غياب مسح ميداني كامل للأشجار المصابة. ومرحلة أخرى على المدى الطويل لمعالجة المشكلة وتفادي حصول كارثة بيئية تؤدي الى خسارة كامل الأشجار في الحرج".
تهدف المرحلة الأولى، وفق التقرير، الى معالجة "سريعة" للمُشكلة بأقل الأضرار الممكنة عبر استخدام مبيدات يتم استخدامها بعد تعريف الحشرات والفصيلة والأنواع، على أن يتم القيام بمسح كامل لكافة الأشجار الموجودة في الحرج، "خصوصاً أن هذا النوع من الحشرات ليس متخصصاً وممكن أن يصيب أنواعاً مختلفة من الأشجار". ويلفت الى أنه عند بلوغ اليرقات مرحلة الحشرات الناضجة المتوقع خلال شهر أيار، فإن من شأن ذلك أن يشكل خطراً كبيراً على كافة أجزاء حرج بيروت، حيث بإمكانها أن تطير وتهاجم الأشجار غير المصابة حالياً، ما يؤدي الى استحالة السيطرة على الوضع في ما بعد.
أما المرحلة الثانية فهي "للمتابعة والقيام بأعمال تهدف الى الوقاية، وتتضمن دراسات معمقة حول الحرج بمختلف مكوناته، واقتراح حلول بيئية للسيطرة على الوضع في السنوات المقبلة، عبر اقتراح مبيدات بيولوجية يتم تحديدها بعد القيام بالتجارب المخبرية والميدانية، إضافة الى ممارسات حقلية يمكن اعتمادها للسيطرة على هذه الآفة".