■ مرّ عام على الاتفاق النووي، وتتجه الأنظار إلى الرئیس الأمیرکي المنتخب دونالد ترامب، في ظل تصریحاته المتكررة بشأن إلغاء الاتفاق، هل تظنّون أنَّ هذا الأمر ممكن من قبله؟ ما هي المحاذیر التي تمنعه من تنفیذ تهدیداته؟في البداية، كانت الولایات المتحدة تضع شروطاً مسبقة لتحضر جلسة المفاوضات، تنصّ على أن تنفّذ إیران قرارات مجلس الأمن الدولي، لكنّها تراجعت عن ذلك بعدما أدركت أن الحظر لم یترك مفعوله على الموقف الإیراني ولم يغيّره. كذلك، رأت واشنطن أنَّ طهران تواصل تقدّمها في مختلف المجالات، رغم الحظر المفروض علیها.

ومع تولي الفريق الإيراني الجديد دفّة المفاوضات، حصل الأميركيون على ما لم یحصلوا عليه في المفاوضات مع الفریق السابق، الأمر الذي فاق تصوّرهم. العقل والمنطق یحكمان بأنَّ على الأميرکیین أن یحافظوا على ما أحرزوه وعلى الامتیازات التي انتزعوها. والعقل المدبر الذي یدیر الولایات المتحدة وترامب، لا بدّ له من أن يتبع هذه الفكرة، أي إنه سیحافظ على المكاسب التي حصلت عليها بلاده، عبر الاتفاق النووي. بالتالي، سیكونون أکثر حرصاً من الإيرانيين على صون الاتفاق.

■ کیف یمكن إیران أن تحصّن نفسها في وجه أيّ تهدیدات من ترامب ضد الاتفاق؟
تُطلق هذه التهدیدات للاستهلاك المحلي. أعني أنَّ ترامب یرید أن یوحي لناخبیه بأنه ملتزمٌ وعوداً قطعها، في خلال السباق الانتخابي، وأن یُبقي لديهم حماسة الأيام الانتخابیة. لكن الجمهوریة الإسلامیة تسلك مسارها على أساس استراتیجیة وضعتها نصب عينيها. أنتم تعرفون أنَّ التزام إیران الاتفاق النووي لیس مرتبطاً بالولایات المتحدة فقط، بل بروسیا والصین ودول أوروبیة. نحن نجحنا في کسر الإجماع الدولي ضدنا وقبلنا بالمرونة، لنخفّف الضغوط التي مارستها الولایات المتحدة والإسرائیلیون علینا عبر ذلك الإجماع. کنّا ناجحین بهذا الصدد، لهذا لسنا مستعدین لأن یعود الإجماع ضدنا. نحن نعلم أنَّ الأوروبیین والروس والصینیین یتصرّفون وفق مصالحهم وتعاونهم في ما بينهم، ولیس من أجل مصالحنا. لذلك، علینا أن نستفید من هذه الفرصة.

■ مدّد الكونغرس الأمیرکي العقوبات على إیران 10 سنوات، الأمر الذي عُدّ مخالفة للاتفاق النووي. وفي المقابل، هدّد الرئیس حسن روحاني بإنشاء سفن على الدفع النووي. ماذا یعني ذلك؟ وما مدى سهولة تطبیقه؟
الأميرکیون انتهكوا الاتفاق، ولم يكن هذا الأمر خارج توقعاتنا. هم دائماً بصدد ممارسة الضغوط على الجمهوریة الإسلامیة وتحقیق أهدافهم، خصوصاً في ملفات المنطقة والنفوذ إلى داخل إیران. هذه الأمور کانت ضمن ما تنبّأ به قائد الثورة. أما بالنسبة إلى إجراءات تتعلق بالاتفاق، فیجب علینا أن نبقى متلزمين إياها، وهنا أشير إلى قرار مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بخصوص الاتفاق، الذي سمح للحكومة بتنفیذ الاتفاق. هذا القرار یحمل بنوداً تتحدث عن إنشاء سفن على الدفع النووي، وكُلِّفَت الحكومة، وفقها، أن تخطط لهذا الغرض.

التزام إیران للاتفاق
لیس مرتبطاً بالولایات
المتحدة فقط

■ هل يمكن القول إنَّ هذا التهدید من قبل إیران، هو ردّ مناسب على ما قام به الكونغرس، أي العقوبات لمدة 10 سنوات إضافیة؟
علینا الانتظار ومتابعة آثاره. أعني أنه یجب أن نرى بماذا سینتهي الأمر الرئاسي الذي أصدره الرئیس روحاني. وفي إطار الاتفاق النووي، هذا العمل قابل للتنفيذ، ولكنه سيحتاج إلى يورانيوم عالي التخصيب في مراحل متطوّرة. نحن سنكون أمام طريقين: إما أن نقوم بالتخصيب بعد مرور ثماني أو عشر سنوات، وإما أن نطلبه من دول أخرى أو من الوكالة الدولية. إذاً، لو احتجنا إلى يورانيوم مخصّب بدرجة 20 في المئة، فسوف نطلب شراءه من دول أخرى.

■ انتقدتم الاتفاق النووي بعد التوقيع عليه. ما هي مآخذكم عليه، وهل هناك إيجابيات يمكن ذكرها مع ذلك؟ وما هو البديل الذي كان يجب التفاوض عليه؟
بدأت الحكومة الإيرانية (حكومة الرئيس حسن روحاني) مشوار المفاوضات، على أساس استراتيجية خاطئة. تلك كانت نظرية خاطئة، لأنها (أي الحكومة) كانت تظن أن الطرف الغربي لن يستطيع أن يستمر في تبرير ضغطه على إيران، لو كشفت طهران عن أوراقها ووضعت مكاسبها في سلة واحدة (على طاولة التفاوض). نعرف أن تصرّف الحكومة لم يكن على أساس سوء النيات، لكن على أي حال، لم يتراجع الطرف الغربي، بل ردّ وقال لإيران إن عليك أن تتصرفي الآن كما أريد، لأنك كشفت عن أوراقك كافة. لهذا ما أعطيناه وما أخذناه في إطار الاتفاق، لا يتناسبان. نحن قدّمنا تنازلات أكثر ممّا اكتسبنا في هذا الاتفاق.
■ هل هناك خيارات أخرى أكثر تأثيراً، ضمن نطاق البرنامج النووي الإيراني، يمكن أن تتخذها طهران رداً على التصرفات الأميركية؟
كان على إيران أن لا تقبل بأي التزام بنحو أحادي الجانب، وكان يجب أن يُبنى أي إجراء على صيغة خطوة مقابل خطوة. مثلاً، كان من الأفضل أن يكون وقف التخصيب 20% مقابل رفع الحظر عن المصرف المركزي. لكن لا بدّ لإيران، حالياً، أن تبقى ملتزمة بنحو أحادي الجانب لكي تشتدّ الخلافات بين أعضاء «5+1». كان من السهل التنبّؤ بقيام الولايات المتحدة بتمديد العقوبات، بحجج مختلفة ترتبط بملفات المنطقة. إلا أن الفريق المفاوض لم ينتبه إلى هذه النقطة. أنا أيضاً كنت أرى أن الطريق الأساسية هي عبر التفاوض، ومن الأفضل أن تستمر، ولكن بإسناد فريق مكوّن من الخبراء. كان الأجدر بنا أن نحضر جلسات المفاوضات بفريق خبراء إلى جانب الفريق السياسي.
إذا سئلتُ، حالياً، عن طريق حلّ لرفع الضغط عن الجمهورية الإسلامية، فسأؤكد أن لا طريق لنا في الوقت الراهن إلا عبر زيادة الضغط على الكيان الصهيوني. أعني أنّ علينا أن نمارس ضغوطاً عبر الطرق كافة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكي يضغط الصهاينة هم بدورهم على أسيادهم الأميركيين حتى يكفّوا عن ممارسة الضغط على الشعب الإيراني. يجب أن لا يكونوا مرتاحين في المنطقة.

■ هناك من يقول إنّ من الصعب على إيران العودة إلى برنامجها النووي السابق، رداً على الخروقات الأميركية، وذلك نظراً إلى ملء مفاعل آراك بالإسمنت، وأيضاً في ظل تفكيك عدد كبير من أجهرة الطرد المركزي، ما يعني صعوبة إعادة تركيبها بسبب تعطّل معظمها أو تضررها. هل هذا صحيح؟
لا، ليس صحيحاً. نحن لن نعود إلى الوراء، بل سنتقدم أكثر من الماضي. في عام 2013، کنّا قادرين على أن نكون في موقع أكثر تقدماً، لكنّنا لم نرد ذلك، إضافة إلى أنَّ طاقاتنا كانت أكثر ممّا تبدو عليه. كان بإمكان المجتمع الإيراني أن يتقدّم في فروع علمية مختلفة، ويخصّب اليورانيوم بأساليب أخرى. طاقات المجتمع عالية، ولا نحتاج إلى بذل أموال باهظة لنيل الأهداف، لكننا في ذلك الحين كنّا نتبع سياسة معيّنة كي يبقى عدد أجهزة الطرد على مستوى 5 إلى 6 آلاف. كنّا قادرين على زيادة سعتنا بنسبة 50%، أي إلى 10 أضعاف، لكن البلاد لم تكن تحتاج إلى ذلك، حينها، وكنّا قادرين على أن نصدّر الخدمات التخصصية. إيران تقدّمت في فروع متعدّدة، وأمامنا طريق أقصر، مقارنةً بالسنوات العشرين الماضية، ولا نحتاج إلى العودة إلى ما كنّا فيه قبل الاتفاق.
■ كيف تقوّم عملية إعادة تصميم مفاعل آراك؟ هل تسير جيداً، وهل يمكن أن نتوقع أن تُثمر قريباً؟
كان من المقرّر (وفق الحكومة) أن يُغلق مفاعل آراك، وفي نظري لم يكن هناك قرار بأن يحلّ مكانه شيء آخر. كل الأمور المؤجّلة تعود إلى الاستراتيجية الخاطئة التي أشرت إليها. هم ذهبوا إلى جنيف، عام 2013 (العام الأول لحكومة روحاني)، وقرروا إغلاق مفاعل آراك حسب تلك النظرية الخاطئة، وبناءً على الجولات الأولى للمفاوضات. لذا، ينبغي لمن يقرّر هذا الإغلاق أن يراجع الأمر. الترويج لهذا الخبر، أنَّ الحكومة تريد إنتاج 20 ميغاوات من الكهرباء، مبالغة في المكسب. نحن نعرف أن الصينيين لم يبدؤوا العمل حتى. كان يجب أن يجري التخطيط لإنشاء مفاعلات بديلة، وتوقيع اتفاقية التعاون، ثم إغلاق مفاعل آراك وتعطيله. هذه نقاط ضعف في قرار إغلاق مفاعل آراك، والعمل الآن متوقف، وليس هناك أي حدث يُذكر في هذا الإطار.
تعرفون أن إيران تملك القدرة الكافية لذلك، (أي إعادة تصميم مفاعل آراك)، والقول إننا سنحظى بتعاون دول أخرى، ليس إلا مبالغة. إيران ليست دولة ضعيفة بحيث تعجز عن إنشاء مفاعل تنتج 20 ميغاوات من الكهرباء وإنتاج الوقود اللازمة لها. كنّا قد نجحنا في إنتاج الوقود لمفاعل آراك، ووصلنا إلى مرحلة اختبارها داخل البلاد، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

■ كيف ترى مستقبل الاتفاق النووي، عموماً؟ هل تعتقدون بإمكانية استمراره، خصوصاً أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية كان قد قال إن البعض (في الغرب) يتصوّر أن الاتفاق سيبقى بين 10 إلى 12 سنة أخرى.
ليست لدينا أية مشكلة مع مستقبل الاتفاق. نحن قبلناه ومراجعنا القانونية والدستورية في البلاد، وفي مقدمتها مجلس الأمن القومي والبرلمان وقائد الثورة، كلّهم سمحوا للحكومة بتنفيذ الاتفاق. هم قالوا للحكومة: إذا كنت تعتقدين أنك قادرة على حلّ المشكلة (عبر التفاوض مع الغرب)، وتستطيعين أن تخفضي الضغط على الجمهورية الإسلامية، اذهبي ونفذي الاتفاق على مسؤوليتك، ووفق الخطوط التي وضعتها المراجع الدستورية.
إذاً، المجتمع الإيراني اتخذ قراره، أي إنَّ هناك إجماعاً داخلياً على تنفيذه وفق شروط أعلنها القائد، وأبلغها، عبر رسالة، إلى رئيس الجمهورية. لكن المشكلة تكمن في أنَّ الطرف الغربي لن يبقى ملتزماً الاتفاق، لأن هناك خلافات بين أعضاء «5+1»، إضافة إلى الفجوات الحاصلة اليوم بين أعضاء الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى. نرى تصرفاً جديداً من قبل روسيا والصين، على الصعيد الدولي، فيما تغيّرت المعادلات الدولية. فكيف يمكن أن نتوقع منهم تنفيذ اتفاق أجمعوا عليه يوماً، ولديهم خلافات اليوم.
فضلاً عن ذلك، الأمم المتحدة غير مستقرة... و«الحلف الأطلسي» مرتبك، فكيف نتوقّع منهم أن يبقوا ملتزمين ما وقّعوا عليه معنا؟ إذاً، علينا أن نترقّب انتهاك الاتفاق من قبل أعضاء مجموعة «5+1»، وليس من قبل الجمهورية الإسلامية.
التطور العلمي الذي نشهده في البلاد على المستوى الدولي، علامة على تقدم البلاد، وإذا تركت الحكومة سياستها الخاطئة في هذا المجال، فلن نعود إلى ما كنّا عليه قبل الاتفاق، بل سنكون في موقع متقدم جداً مقارنة مع السنوات القليلة الماضية. هناك طاقات كامنة في أرجاء البلاد. علينا أن نضع جانباً أسلوب الإدارة الحالية، ونلجأ إلى الإدارة الجهادية للبلاد، للكشف عن هذه الطاقات، وجعلها تعمل كما فعلنا، أيام الحكومة السابقة، حين رفعنا عدد أجهزة الطرد من 6 آلاف إلى 18 ألفاً وأنتجنا وقود مفاعل طهران، في أقل من عامين، بخلاف ما توقّع بعض خبرائنا. حينها، نجحنا في تخصيب اليورانيوم، بدرجة 20%، فكيف لا نستطيع كل ذلك حالياً؟