في عيد المعلّم نقول شبعنا كلاماً منمّقاً، وملَلنا ابتسامات خادعة، فقط نريد مدرسة رسميّة تمتلك ضروريات المدرسة، ونريد حقوقاً مهدورة.كثيرة هي الظواهر التي تؤكد توجّه الطبقة الحاكمة إلى إضعاف المدرسة الرسميّة في مرحلتيها الأساسيّة والثانويّة، على الرغم مما ورد في الدستور: «إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني بما يلبّي ويلائم حاجات البلاد الإنمائيّة والإعماريّة»، و«توفير العلم للجميع وجعله إلزاميّاً في المرحلة الابتدائيّة».

من هذه الظواهر جمود المناهج على مدى عقدين من الزمن تغيرت في خلالهما جميع المفاهيم وطرق الحصول على المعرفة، ولا ندري متى تُفتح ورشة تجديد هذه المناهج، مع الإشارة إلى أنّ المركز التربوي للبحوث والإنماء المنوط به تعديل المناهج يفتقر إلى رئيس بالأصالة وإلى مجلس اختصاصيين وإلى خبراء دائمين.
ومنها أيضاً عدم فتح ورشة تشريعيّة لدراسة القوانين التي مضى عليها الزمن لتعديلها أو إلغائها، مثال توصيف وظيفة المعلّم الأساسي والأستاذ الثانوي. ففيما صدر القانون 344/2001 الذي يفرض الإجازة التعليميّة معياراً لتعيين المعلّم في مرحلة التعليم الأساسي، لم يحدّد هذا القانون درجة وراتب هذا المعلّم، مع علم المشرّع أن القانون 661/1997 لحظ فقط متخرجي دور المعلّمين الابتدائيّة والمتوسطة التي توقفت عن العمل منذ عام 2001. وهكذا فلولا صدور القانون 223 /2012 الذي استعان بمادّة مخصّصة في القانون 661/1997 للتعليم الخاص، لكان على حملة الإجازة التعليميّة أن يتعيّنوا في الدرجة 1، أي درجة حملة البروفيه قديماً!
ومع أنّ الجامعة عدّلت في سنوات دراسة الإجازة الجامعيّة أو التعليميّة من أربع إلى ثلاث سنوات، بقيت الإجازة معياراً لتعيين الأستاذ الثانوي، مع أنّ إحدى الهيئات الإداريّة لرابطة أساتذة التعليم الثانوي طالبت باعتماد الماجستير في مادّة الاختصاص معياراً لهذا التعيين.
وفيما أُنشئت المناطق التربويّة في المحافظات كافّة، بقيت مسؤوليّة هذه المناطق محصورة بالتعليم الأساسي الرسمي، على الرغم من أن مرسوم تنظيم وزارة التربية والتعليم العالي نصّ بوضوح على أن «تتولّى المنطقة التربويّة في المحافظة بإشراف المحافظ تمثيل مختلف الإدارات المختصّة في وزارة التربية والتعليم العالي، والإشراف على المدارس الرسميّة وعلى أفراد الهيئة التعليميّة ومراقبة المدارس الخاصة»، لا بل إن مركزيّة القرار إلى زيادة. فهل يتصوّر أحد أن لشراء مولّد كهربائي لمدرسة رسميّة في أقاصي عكار أو البقاع يحتاج الأمر إلى موافقة وزير التربية شخصيّاً بعد رحلة عروض ولجان وتواقيع قد تمتد فترة إنجازها لعام كامل؟ ألا يكفي مثلاً مراقبة المجلس البلدي ورئيس المنطقة التربوية عملاً كهذا؟
وإذا تحدّثنا عن تنفيذ قانون إلزاميّة التعليم ومجانيته، فقد يُصدم القارئ حين يعلم أنّه بعد مرور ستة أشهر على بداية العام الدراسي، لم يصل قرش واحد من حسابات صناديق المدارس أو مجالس الأهل إلى هذه المدارس، مع أن المطلوب من هذه الصناديق دفع كل التكاليف التي تحتاجها المدرسة، من الطبشورة إلى الترميم، مروراً بأجور الخدم وتأمين الطلّاب ورسوم الضمان والماء والكهرباء والمحروقات وغيره.
أمّا إذا تحدّثنا عن الكادر التعليمي، فإن المباريات متوقفة، ولا تجري إلا بضغط شديد وبعد مرور سنوات (آخر مباراة محصورة للتعليم الأساسي جرت عام 2009). في الوقت الذي يتقاعد فيه ما لا يقل عن 800 معلّم ومعلّمة سنويّاً من التعليم الأساسي وحده. وحين طفح عدد المتعاقدين وارتفعت صرخة رفض التعاقد، اختُرعَت تسمية «المستعان بهم» لنحو 2000 معلّم ومعلّمة. فهم ليسوا في الملاك، ولا هم متعاقدون، بل هم فقط يعملون في التعليم الرسمي دون أن يعرفوا من أين يتقاضون بدل أتعابهم. تصوروا أنّنا نُحيي عيد المعلّم وجميع المعلّمين المتعاقدين والمُستعان بهم لم يقبضوا فلساً واحداً، على الرغم من مرور ستة أشهر على بداية العام الدراسي.
هل نتابع سرد النماذج عن الإهمال المتعمّد لضرب المدرسة الرسميّة؟ هل نتحدث عن المماطلة المستمرة منذ خمس سنوات في إقرار تصحيح الأجور بعد تجميدها لعقدين من الزمن؟ هل نتحدث عن فجور البعض حين يتّهم أفراد الهيئة التعليميّة بالتقصير وبترداد مقولة ببغائيّة عن أنّ لكل معلّم سبعة طلّاب؟ أم نتحدّث عن الإدارة الموازية في وزارة التربية التي تتجاوز قرارات الوزير نفسه؟
*أمين الشؤون الإعلاميّة في رابطة معلّمي التعليم الأساسي الرسمي