الجزائر | ظلت أنظار الجزائريين مشدودة إلى طلّة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثامن من آذار بمناسبة عيد المرأة، وهي المناسبة التي تعوّد ألّا يخلفها أبداً، لكن غيابه بعث الشكوك حول حقيقة وضعه الصحي، في ظل عودة الجدل حوله من جديد، وذلك بعدما اضطرت الرئاسة الجزائرية إلى تأجيل زيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ثم زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، للبلاد.
ولا يمر يوم في الجزائر إلا ويطرح السؤال المتكرر: «أين الرئيس بوتفليقة؟»، وجراء ذلك، سارع الوزير الأول عبد المالك سلال، إلى نفي الشائعات بعدما وصلت الى حد إعلان وفاة بوتفليقة، قائلاً من تونس إن «الرئيس بخير وهو يقرئكم السلام».
هذا لم يكن كافياً، وخاصة مع غياب الرئيس، الذي أطفأ شمعته الثمانين بداية هذا الشهر، عن شاشة التلفزيون الرسمي وامتناعه عن استقبال عدد من المسؤولين الأجانب المهمين. آخر ما زاد في تلك الشكوك، كان غيابه عن استقبال وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داتيس. وأثير لغط كبير بعدما قالت وسائل إعلام إن اللقاء ألغي في آخر لحظة، ما اضطر وزير الخارجية رمطان لعمامرة، إلى الرد والنفي المباشر، كما أعلن أن اللقاء مع الرئيس لم يكن مدرجاً على جدول الزيارة، وتبعته في ذلك السفارة الإسبانية لدى الجزائر، التي سارت في منحى وزير الخارجية.

لم يعتد بوتفليقة
أن يتخلف عن
استقبال مسؤولين أجانب كبار

ولم يعتد بوتفليقة أن يتخلف عن استقبال مسؤولين أجانب بهذا الحجم، وخاصة من الدول المؤثرة إقليمياً مثل فرنسا، التي زار وزير الداخلية فيها، برونو لو رو، البلاد، من دون أن يحظى بلقاء الرئيس، وكذلك وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي (5 آذار)، وأخيراً الوزير الإسباني الذي تربط بلاده بالجزائر مصالح اقتصادية ضخمة، بسبب وجود أنبوبَي غاز بينهما.
حتى إن الرئاسة الجزائرية كانت قد أعلنت بنفسها في 20 شباط الماضي أن بوتفليقة تعرض لالتهاب رئوي حاد جعله غير قادر على استقبال أنجيلا ميركل، ثم زاد في تأكيد جدية الصعوبات الصحية التي يمر بها الرئيس تأجيل زيارة حسن روحاني، رغم خروج لعمامرة للتأكيد من جديد أن تأجيل زيارة الرئيس الإيراني كان بطلب منه.
أما في جانب المعارضة، فلم يعد الرهان على مرض الرئيس، أو ما اصطلح عليه عقب رئاسيات 2014 «شغور منصب الرئيس»، قائماً لإمكانية حشد الرأي العام ودفعه إلى الضغط على السلطة من أجل مواجهته بحقيقة وضع بوتفليقة، وخاصة بعد موجة الشكوك بأنه ليس من يملك سلطة القرار، وأنه ضحية لمحيطين به يستغلون اسمه في إمرار السياسات.
هذه المقاربة كانت قد اعتمدتها ما عرفت بـ«مجموعة 19» المتشكلة من أحزاب وشخصيات، طلبت نهاية العام الماضي لقاء بوتفليقة من أجل إطلاعه، كما قالت، على حقيقة ما يجري في البلاد من قرارات خطيرة، وخاصة في شؤون الاقتصاد، من دون أن تتمكن من تحقيق طلبها. لكن المفارقة في الحكومة أنها كانت تواجه شكوك المعارضة وتساؤلاتها حول الرئيس بالتأكيد دائماً أن البلاد تسير بنحو طبيعي، وأن بوتفليقة بخير بدليل أنه يستقبل الضيوف الأجانب.
يقول الصحافي المتخصص في الشؤون السياسية بوعلام غمراسة، في رده على هذا الإشكال، إن «الدستور يمنح رئيس الجمهورية سلطات غير محدودة، فهو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس القضاة، وتعود له الكلمة في اختيار رئيسَي غرفتَي البرلمان، والقرارات الاقتصادية يتخذها هو، كما أنه رئيس الدبلوماسية الفعلي». لهذا، عندما يتوقف نشاطه، يضيف غمراسة، «تتأثّر كل القطاعات، فتصاب بالجمود». أما عن أحزاب السلطة، فإن الأمر يختلف، لأن بوتفليقة بخير، ومنهم من يطلبه، وخاصة «جبهة التحرير الوطني»، لعهدة خامسة في 2019!