17 مخالفة في 140 ثانية هو العدد الذي سجّلته الكاميرا التجريبيّة التي وضعتها هيئة إدارة السير والمركبات والآليات على تقاطع "الألمازا – نهر الموت" قبل فترة.
هذه التجربة الأولى، وبعد تسويقها، كانت كفيلة بردع السائقين عن ارتكاب المخالفات، بحسب ما تشير أرقام التجربة الثانية التي نفّذت في اليوم التالي، لتنطلق بعدها مرحلة الترويج لهذا النوع من الكاميرات وأهمّيتها في تنظيم السير على الطرقات اللبنانيّة، تمهيداً لإطلاق مناقصات شرائها وتركيبها، باعتبارها خطوة تطويريّة في عمل الإدارة وتصبّ في صالح سلامة المواطن، بحسب ما تؤكّد المديرة العامّة للهيئة المهندسة هدى سلّوم لـ"الأخبار"، التي كشفت عن "بدء إعداد دفتر شروط لتفصيل الحاجات المطلوبة وتأمين الأموال اللازمة لإتمام مناقصة شراء هذه الكاميرات وتركيبها".
أمّا الخطّة فتكمن في نشر هذه الكاميرات على التقاطعات المهمّة في بيروت الكبرى، بحسب ما يشير رئيس غرفة التحكّم المروري المهندس جان دبغي، على أن تكون "قابلة للنقل من مكان إلى آخر، وأن تترافق مع تزييح الطرقات على كلّ الإشارات الضوئيّة، وإطلاق حملات التوعية، لتصبّ في النهاية ضمن هدف تخفيف الحوادث".
في الشقّ العملي، لا تفسّر الخطّة المطروحة إلّا بفرضيتين، إمّا بكونها "تنفيعة" لتمرير مناقصة الكاميرات أو تندرج ضمن العشوائيّة التي تحكم التعاطي مع ملف السير في لبنان. ففي عام 2009، ومن ضمن مشروع تطوير النقل الحضري في بيروت الكبرى المموّل من البنك الدولي بقيمة 125 مليون دولار، ركّب "مجلس الإنماء والإعمار" عشر كاميرات مماثلة تضبط تجاوزات الخطّ الأحمر على تقاطعات الطرق بكلفة مليون دولار أميركي، وزوّدت هذه الكاميرات، بحسب المجلس، بالقسم الأوّل من البرمجة الإلكترونيّة المخصّصة لتصوير السيّارة المُخالفة وإرسال صورتها إلى هيئة إدارة السير، ولكّنها لم تزوّد بالبرمجة الإلكترونيّة الخاصّة بتحليل قاعدة البيانات لدى قوى الأمن الداخلي، فبقيت خارج العمل طوال هذه الفترة.

ركّب مجلس الإنماء والإعمار عشر كاميرات مماثلة على تقاطعات الطرق بكلفة مليون دولار أميركي


تقول هدى سلّوم إن "كلفة شراء البرمجة الإلكترونيّة الخاصّة بتحليل قاعدة البيانات أكبر بكثير من كلفة شراء كاميرات جديدة مجهزّة ببرمجيّات حديثة"، ما يعني أن الإدارة قرّرت هدر مليون دولار أميركي، والتوجّه نحو شراء كاميرات جديدة للغاية نفسها. لكن الطامة الأكبر أن النتيجة لن تكون مختلفة عمّا هو حاصل اليوم، أولاً كون نظام المكننة غير قابل للتطبيق راهناً نظراً إلى عدم جهوزيّة مركز المحاضر الإلكترونيّة، وثانياً لغياب فريق عمل لصيانتها وتشغيلها كون هيئة إدارة السير لا تستفيد من عائدات مخالفات السير وبالتالي لن تتكبّد تكاليف إضافيّة من ميزانيتها الخاصّة لتفعيل هذا النظام.
يستخلص من ذلك، أن العقل التخطيطي في مجال السلامة المروريّة، لا يختلف عن العقليّة الرائجة لتسيير الإدارات في الدولة اللبنانيّة والقائمة على مبدأ السمسرة، بعيداً من أي علميّة تحدّد الأولويات في قطاع السير والسلامة المروريّة، خصوصاً أن قانون السير حدّد ثمانية إصلاحات رئيسيّة لم ينفّذ أي منها رغم مرور سنتين على صدوره، وتطال تعليم القيادة وتطوير مناهجها ونظام النقاط. تشير مصادر في قوى الأمن الداخلي إلى أن "الغاية المروجة من الكاميرات المزعومة لن تتحقّق وفق الظروف الراهنة، وأهمّها تفعيل المكننة التي ستنعكس حكماً على تسطير المحاضر إلكترونياً، التي تقطع العلاقة المُباشرة بين عنصر قوى الأمن والمواطن، بما يمنع الرشوة، ذلك كون مركز المحاضر الإلكترونيّة غير مجهّز وتغيب عنه الأطر القانونيّة والإداريّة التنظيميّة، ما يعني التعامل مع محاضر الإشارات الحمراء كالتعاطي مع محاضر السرعة، أي تدوينها يدوياً، مع ما يتبع ذلك من محدوديّة في تطبيق القانون لعدّة أسباب أهمها نقص العنصر البشري الذي لن يخصّص لتدوين المحاضر في حالات كثيرة، إضافة إلى غياب العناوين الصحيحة لتبليغ المحاضر". وتضيف المصادر نفسها أن "هناك جهات عدّة معنيّة بتفعيل نظام الكاميرات، وإطلاق المبادرة بالطريقة التي تمّت بها من جهة واحدة (أي هيئة إدارة السير) يقطع الحلقة التي من المُفترض أن تكون متكاملة للوصول إلى تطبيق جديّ للقانون، وهي تطال الهيئة المعنية بتركيب الكاميرات، وقوى الأمن الداخلي المولجة بقمع المخالفات وتسطير محاضر الضبط الممكننة، والقضاء الذي يصدر الأحكام ويبتّ بالاعتراضات، إضافة إلى وزارة الماليّة المعنيّة بتحديد الضبط وآليّة جبايته".