أين كارلوس إدّه؟ هل ثمّة «كتلاويّ» أزعجه بإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً؟ مَن هذا الذي حرمنا أُنس أحد أكثر السياسيين «هضامة» في لبنان؟ لاعب المنتخب البرازيلي روبرتو كارلوس زار لبنان، أخيراً، ملتقياً بالرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، فيما كارلوس إدّه غائب عن السمع.
يَكاد الثائر الفنزويلي إليتش راميريز سانشيز، المُشهور بكارلوس، يُغادر سجنه الفرنسي، فيما يَستمر كارلوس إدّه بالتواري عن الأنظار. أين هو؟ يُقال إنّه شوهد آخر مرّة في قصر الصنوبر، منتصف العام الماضي، ملبّياً دعوة حفل العيد الوطني الفرنسي. ذات مرّة، قبل اختفائه، قال إنّه سيغيب عن الساحة «لأنّي حاسس حالي عم بحكي مع الحيط». إذاً، إدّه أصيب بكآبة. لم يستطع أن يُغيّر العالم. هجر الحياة السياسيّة.
هو واحد مِن الذين جلَدتنا الشاشات بهم، على مدى العقد الماضي، في البرامج الصباحيّة والمسائيّة. لكن يُسجّل له أنّه كان أكثرهم «خفّة دم». كان يُضفي على المشهد السياسي شيئاً مِن «الطراوة». كان مُتفرّغاً للردّ على تصريحات ميشال عون. قال الأخير مرّة، ساخراً، إن الفريق الآخر يُريد تخويفه بالاسم، أي كارلوس، ثم ضحك الجميع. ربّما كان إدّه يَغار مِن كون رتبته انتهت عند «عميد» (الكتلة الوطنيّة) فيما الآخر هو «الجنرال». إن تسخر أمامه مِن لغته العربيّة، فسيُخبرك أنّ أنباءً وصلته عن أهالي طلاب يَنصحون أولادهم بمشاهدة خطاباته دائماً «بهدف تحسين لغتهم العربيّة وتعلّم أصولها».
كم سيبدو لطيفاً الآن لو يتحدّث إدّه عن رأيه بالقانون الانتخابي. ربّما لا يزال على طرحه القديم عندما عقد مؤتمراً صحافيّاً، قبل نحو أربع سنوات، مطلقاً مشروع «قانون الدائرة الفرديّة على مرحلتين». إذاً، لدينا «قانون كارلوس إدّه» أيضاً. يُسجّل له أنّه لم يدخل نادي البلاهة مِن خلال الحديث عن «قانون على مقاس الجميع». قال قبل سنوات في تصريح لموقع «الكتائب» إنّ «هناك صعوبة في التوصّل إلى قانون يحظى بالإجماع أو برضى الأكثريّة». خذوا الحكمة مِن كارلوس إدّه. خذوها مرّة أخرى مِنه وهو يقول: «إنّ لبنان عبارة عن مزرعة تحوي أربعة ملايين خروف وستّة رعاة. هؤلاء الستّة يتحكّمون بمصير اللبنانيين مِن خلال تفصيل قانون انتخابي يُناسب طموحاتهم السياسيّة». كم كان لمّاحاً عندما سبق كثيرين، قائلاً: «في نهاية المطاف سيعودون إلى النظام الانتخابي الحالي».
فهم إدّه اللعبة جيّداً ثم «شمّع الخيط» وغاب. اتهمه البعض في الآونة الأخيرة بأنّه «أعدم حزب الكتلة الوطنيّة». وكأنّ كان يوجد هناك كتلة قبل مجيئه واستلامه «الزعامة»! أخذوا عليه سلوك غير المكترث. عبّر عن «قرفه» مِن السياسة أكثر مِن مرّة. لذا لِمَ لا يُقال فَهِم أن العيش على ثروة العائلة وإرثها، وقضاء أوقات ممتعة في السفر مِن بلد إلى آخر، أفضل مِن الغرق في عبث سياسي لا أمل له فيه؟ كارلوس إدّه الذي سخر مِنه كثيرون، من ركاكة لسانه العربي، مِن سطحيّته وسذاجته، ربّما يكون أذكاهم وأكثرهم فطنة. لا يزال هو زعيم «الكتلة الوطنيّة» صوريّاً، لكنّه لن يكلّف نفسه، قبل نحو عامين، تأجيل سفره لحضور حفل تدشين بولفار في جبيل يحمل اسمه ريمون إدّه. الحفل الذي حضره آنذاك رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، لم يغرِ كارلوس للحضور. اعتذر بداعي السفر. رحلة سياحيّة في الخارج ستكون أفضل مِن الأجواء «الخشبيّة». قيل أخيراً إنّه أقفل جميع فروع الحزب في المناطق، باستثناء فرع منطقة الذوق، حيث لا يُداوم فيه إلا موظّفة واحدة تعمل في طبع بيانات التعزية. قالوا أيضاً إنّ فرع البيت الحزبي المركزي، الذي أُقفل أيضاً، لم يزره «الزعيم» منذ ثماني سنوات!
قبل غيابه عن الساحة الإعلاميّة، قبل سنوات، راح يُكثر مِن إطلالاته في البرامج التلفزيونيّة الساخرة. عندما يحاول الإعلامي، أو المقدّم أو أي كان، تقديمه بصورة هزليّة كان هو يُزايد على نفسه في الهزل. لا بأس. فلنضحك جميعاً. قال مرّة ساخراً مِن نفسه إنّه حصل مِن «اليونيسكو» على شهادة تقدير نظراً لدوره في تطوير اللغة العربيّة في المنطقة. وكدليل تأكيدي على ذلك أطلق هذه العبارة في سياق حديث عن عون، سائلاً: «لمّا بيحكي عن جمهوريّة ثالثة ثابتة، بس ما بقول شو رح يعمل بهالجمهوريّة الثالثة، وليه هي ثابتة؟». كارلوس إدّه حاجة وطنيّة، حقيقة، ولا هزل هنا. أقلّه كان سياسيّاً مرحاً. هؤلاء عملة نادرة. كان فيه دعابة، وقديماً قيل «مَن كان فيه دعابة فقد برئ مِن الكبر». عندما سأله مرّة أحد مقدّمي البرامج عمّا قدمه، أجاب بمنتهى التصالح مع الذات: «أفضل ما قدّمته للناس هو أني جعلتهم يبتسمون ويضحكون» (بالتأكيد هذه لم يقلها بالفصحى).