في أعقاب ما كشفته صحيفة «هآرتس»، أول من أمس، حول قلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية من «تقوّض الأوضاع في الأردن»، قال محلل الشؤون العربية في الصحيفة نفسها، تسفي برئيل، إن «من الصعب معرفة ما كان يدور في ذهن شلاين عندما قدّرت خلال الجلسة المغلقة مع رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، في تشرين الأول الماضي، بأن الوضع في الأردن يتقوّض»، مشيراً إلى أن «المصطلح الذي استخدم للتعبير عن الوضع في الأردن (التقوّض) يرتبط بفقدان السيطرة الأمنية».
ونقل برئيل عن مصادر أردنية أن «الأوساط السياسية والأمنية في المملكة فوجئت من التصريحات التي نقلتها الصحيفة العبرية عن السفيرة»، وأن «استقرار النظام ليس مصدر قلق آني في الأردن، وخاصة أنه في الفترة التي تحدثت فيها شلاين لم يكن كذلك مطلقاً». وأوضحت المصادر نفسها، وفق برئيل، أنه «بالفعل هناك أعباء اقتصادية، ونُظّمت على أثرها تظاهرات ضد غلاء المعيشة، إضافة إلى أن قضية اللاجئين السوريين تهز المجتمع الأردني، لكن هذا هو الوضع الثابت في المملكة منذ أن فتحت أبوابها لاستيعاب مليون لاجئ سوري».

تبلغ نسبة البطالة
في الأردن أكثر من 16% وتصل إلى الضعف
عند الشباب

وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى الباحث السياسي في الشؤون الداخلية الأردنية، وائل الخطيب، أنّ «الأردن بصدد التحضير لاستضافة القمة العربية في نهاية الشهر الجاري، وهناك تخوّف عند الأوساط السياسية الإسرائيلية من الحراك الدبلوماسي النشط ضد نقل السفارة الأميركية إلى القدس». واعتبر الخطيب أيضاً أن «هذا سبب كافٍ لتسريب الصحافة الصهيونية عن أن الأردن بدأ رسمياً باستيراد الغاز من إسرائيل، إذ إن الأخيرة معنية بإحراج الأردن أمام مواطنيه والأهم أمام بعض الدول العربية الأخرى من خلال الضغط بموضوع الغاز».
واستبعد الخطيب، وهو باحث في الأنثروبولوجيا أيضاً، أن «تحصل احتجاجات ذات زخم في الأردن»، معزياً ذلك «إلى كون الأردنيين قد بلوروا في ذاكرتهم الجمعية أساليب جديدة للاحتجاج، تتمثل في حملات المقاطعة الشعبية للمواد التي يُرفع سعرها». وشدد على أن «المواطنين الأردنيين بشكل عام ليسوا على استعداد للدخول في مغامرة غير محسوبة، وذلك بسبب الظروف التي تمر بها دول عربية كثيرة». وأضاف إن «الدولة تراهن حالياً على الاستثمارات السعودية الضخمة التي ستنبثق عن زيارة الملك السعودي للأردن قبل موعد القمة بيوم أو يومين».
لكن برغم ذلك، اعتبر المحلل الإسرائيلي برئيل، أن المعطيات الاقتصادية في الأردن «تشير إلى واقع مظلم، وليست مشمولة ضمن عوامل الاستقرار»، موضحاً أن «نسبة البطالة بلغت أكثر من 16 في المئة، وتصل إلى الضعف في أوساط الشباب، والمتعلمين، وسكان الضواحي، بالإضافة إلى وصول العجز العام إلى 1.2 مليار دولار، ورزمة المساعدات الخليجية التي تبلغ 5 مليارات دولار لمدة 5 سنوات، وقد انتهت منذ العام الماضي من دون أي نيّة لتجديدها».
أمّا علاقات الأردن بالسعودية، فقد وصفها المحلل الإسرائيلي بـ«الفاترة»، موضحاً أن السبب هو «رفض الأردن استخدام أراضٍ من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية للعمل من خلالها». وأضاف إن «المملكة الهاشميّة غيّرت سياساتها أخيراً حيال النظام في سوريا، وهي كحال تركيا ومصر، أبدت استعداداً لدعم مرحلة الانتقال الحكومي في حال الوصول إلى اتفاق سياسي بين أطراف الحرب السورية».
على صعيد متصل، قال إنه برغم أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات للأردن من أجل الاهتمام بقضايا اللاجئين، «فإنّ المعطيات الرسمية تشير إلى أنّ (عمّان) لم تحصل سوى على 6 في المئة من قيمة المبلغ المطلوب لتحمل الأعباء الاقتصادية الضخمة المطلوبة لتسوية شؤون اللاجئين»، موضحاً أن «الأعباء تشمل تخصيص غرف دراسية، وتفعيل المخيمات وصيانتها، وتقديم خدمات صحية، ومساعدات مالية وغذائية للمحتاجين، وضبط الأوضاع في المخيمات».
نصف اللاجئين السوريين، بحسب برئيل، يعيشون داخل المخيمات، فيما النصف الآخر منهم وجد له أماكن إقامة في المدن الكبيرة، وخصوصاً في عمان وإربد والمفرق، «ما تسبب بنشوء مشكلة اقتصادية للأردنيين، إذ شغل اللاجئون أماكن العمل، وخصوصاً المهن البسيطة التي اعتاش منها الأردنيون قبل الحرب السورية».
فقدان أماكن العمل هو «نقطة حساسة»، إذ هي تمثّل وفق المحلل الإسرائيلي «أرضية خصبة لتنظيم الاحتجاجات». وقال برئيل: «صحيح حتى الآن لم تحصل حوادث عنف بين اللاجئين والمواطنين، غير أن الغضب الشعبي تجاه الحكومة وتحميلها مسؤولية عدم القدرة على التوفيق بين احتياجات الشعب مقابل استيعاب اللاجئين، لا يزال سبباً واضحاً لإشعال فتيل الاحتجاجات».
واعتبر أن ما تناقلته وسائل الإعلام الأردنية حول إنشاء اللاجئين السوريين مصانع جديدة في إربد، أو نقل مصانع من سوريا إلى الأردن، وتشغيل أردنيين فيها، «لم يكن سوى لاحتواء هذا الغضب»، مشيراً إلى أنه «لا يزال هناك بحر من البطالة، عوضاً عن كون هذه المصانع غير كافية لحل مشكلة فقدان أماكن العمل في مدن أردنية أخرى».
يضاف إلى ذلك، «رفع أسعار الوقود، وتقليص الدعم الحكومي، ورفع أسعار المنتجات الأساسية، وهي الأسباب التي أدت إلى خروج مئات المتظاهرين في الكرك والطفيلة والسلط ومأدبا». ورأى برئيل أنه إذا لم يجد الملك الأردني عبدالله الثاني حلاً لاحتواء ذلك، فإن الغضب «سوف يستمر».
أمّا بالنسبة إلى المستوى الأمني، فاعتبر المحلل الإسرائيلي أن «الأردن يواجه خطر انتقال تهديد داعش إلى داخله»، ولذلك «فهو يبذل جهوداً كبيرة لصد تقدم عناصر التنظيم في جنوب سوريا»، مشيراً إلى أن الجيش الأردني «هاجم بطائرات من دون طيار قواعد لداعش في محافظة درعا السورية، وتجمعات لناشطي جبهة فتح الشام». وأوضح أن الهجوم «تزامن مع تعزيز التنسيق مع روسيا لمنع تسلل عناصر التنظيم إلى الأردن بعد هزيمتهم في (محافظة) حلب، والهجوم المرتقب على مدينة الرقة في الشمال السوري».
الأردن الذي يستضيف مركزاً للتنسيق العسكري، يضم السعودية والولايات المتحدة ودولاً أوروبية، وإسرائيل، تمكّن حتى اليوم من صدّ تقدم «داعش» إلى حدوده، ولكن برغم ذلك «لا تزال الاستخبارات الأردنية تخشى من تشكيل خلايا في داخل المملكة، ومن تأثيرات داعش على اللاجئين في أراضيها». ويشدد برئيل في هذا السياق على أنه برغم التعاون الاستخباري بين الأردن ودول أخرى، «فإنّ هذا الصراع يبقى قائماً».
وفي هذا الصدد، نقلت «هآرتس» عن صحافي أردني «عريق» (لم تذكر اسمه)، قوله إننا «نعيش في واقع متقوّض، إذ يمكن أن تحصل عملية في كل يوم، ويمكن أن تندلع التظاهرات ضد الحكومة من دون سابق إنذار، أو أن تبحث المعارضة عن أي ذريعة لانتقاد سياسة الحكومة». وأضاف إن «النقاش في البرلمان الأردني حول اتفاقية الغاز مع إسرائيل هو مثال واضح على ذلك، وبالتالي استغلال قضية الغاز في مصر أثناء الثورة التي أسقطت مبارك، يمكن أن يحدث في الأردن أيضاً».
ويخلص برئيل إلى نتيجة مفادها أن «العناصر التي هددت استقرار المملكة كانت قائمة منذ سنوات، وأن الأخيرة تمكنت من تجاوز مفاعيل (الربيع العربي) الذي اجتاح بعض دول الجوار»، لكنه يتساءل: «هل يمكن أن تكون النهاية هي في تراكم مسببات الثورة، والتي تستطيع أن تتحدى النظام؟»، قبل أن يجيب بنفسه: «لا يوجد جواب قاطع على ذلك». وهنا يستدرك بالقول: «يُتوقع أن يتوصل الأردن إلى اتفاقات مساعدة من دول الخليج، على هامش القمة العربية، كذلك في حال مدت الإدارة الأميركية، والاتحاد الأوروبي أيديهما للأردن، فإن عمّان قد تستطيع إزاحة جزء مهم من العوامل المهددة للاستقرار».