توجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى «مدن الشمال»، الموصل وأربيل والسليمانية، في مسعى وصفه البعض بـ«محاولة القطف المبكر لثمار النصر في الموصل»، وفي محاولة لضبط سقف مطالبات رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، العائد من جولة خارجية شملت «مؤتمر ميونيخ» الدولي، وفرنسا، فتركيا، حيث التقى بـ«عرابَيه»، كما يقول متابعون، فرنسوا هولاند، ورجب طيب أردوغان.
وتزامنت زيارة العبادي إلى الموصل مع اقتحام القوات العراقية لمنطقة المباني الحكومية ليل أوّل من أمس، حيث تمكّنت خلال ساعات من استعادتها كاملةً، ما شكّل انتصاراً «رمزياً» لبغداد. ووفق بيان إعلامي صادر عن رئاسة الوزراء، فإنّ العبادي تفقد فور وصوله «خطوط التماس في قاطع عمليات قادمون يا نينوى... حيث اطّلع خلال اجتماعه مع كبار القادة الميدانيين والمرابطين من قواتنا على سير المعارك والانتصارات... (معرباً) عن فخره واعتزازه بما تحققه كافة التشكيلات في كل الجبهات».
ويوم أمس، تابعت القوات العراقية تقدّمها لتستعيد ثلاثة أحياء جديدة هي الدواسة، والدندان، وتل الرمان، وفق قائد العمليات الفريق الركن عبد الأمير يارالله. وبحسب متابعي المجريات الميدانية، فإن التقدّم الأخير في المدينة القديمة سيمهّد الطريق أمام سلسلة هجمات جديدة للقوات العراقية بدعم وغطاء جوّي من «التحالف الدولي»، خصوصاً أن العمليات التالية ستتسم بتعقيداتٍ أكثر، لازدحام المنطقة بالسكان وضيق شوارعها.

من المقرر أن يزور العبادي العاصمة الأميركية قبيل
نهاية الشهر الجاري

وفيما تتضارب روايتان حول رؤية العبادي لمعركة استعادة الموصل، إذ تقول الأولى أن «رئيس الحكومة كان يتوقع انتهاءً سريعاً للمعارك، على أن يجيّر النصر من خلال تحالفات يعقدها لصالحه»، فيما تؤكد رواية ثانية أن «العبادي، ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق العمليات، حرص على أن تتّسم بالبطء، وأن تأخذ القوات وقتها في استعادة المدينة»، فإنّ ناقلي الروايتين يشددون على أن العبادي «يسعى للاستفادة من الموضوع انتخابياً، كما فعل سلفه نوري المالكي في غرب البلاد قبل انتخابات 2014».
أما في أربيل، فقد أكد العبادي والبرزاني، في بيان مشترك، «أهمية إدامة زخم الانتصارات وتعزيز العمل بين المركز والإقليم»، ودعوا جميع القوى السياسية إلى «توحيد الخطاب السياسي لما يمر به البلد من تحديات توجب العمل المشترك من أجل تجاوزها»، مشددين على «التنسيق والتفاهم الكبير بين مختلف صنوف القوات، ومن ضمنها البشمركة، في محاربة عصابات داعش».
وإلى جانب التطرّق إلى قضية النازحين، فقد علمت «الأخبار»، من مصدر رفيع، أن الطرفين كررا التأكيد على ضرورة «حلّ الخلافات بين بغداد وأربيل تحت سقف الدستور»، موضحاً أن «البرزاني أكّد للعبادي أن قضية الانفصال ستسحب من السجال السياسي القائم»، وذلك لسببين: الأول أشار إليه البيان باعتبار أن «البلد يشهد انفتاحاً خارجياً كبيراً، وهذا يتطلب العمل من أجل السير قدماً في هذا الانفتاح». أما السبب الثاني، فتفسّره مصادر متابعة بخشية بغداد من «الاستثمار الدولي للقضية الكردية، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على الصعيد الإعلامي أيضاً».
وترجّح المصادر السياسية أن اتفاق العبادي ــ البرزاني «الثاني»، الذي جرى التوصل إليه أمس، سوف يعيد النظر في بنود الاتفاق السابق الذي قيل إنه كان يقضي بموافقة العبادي على ضمّ البرزاني للقرى والبلدات الواقعة شرقي الموصل، والتي تستعيدها «البشمركة» من مسلحي «داعش» مع انطلاق عمليات «قادمون يا نينوى»، وهو ما أكّده البرزاني في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، أثناء زيارته الأخيرة لباريس.
وفي سياق جولته «الشمالية»، حطّ العبادي في مدينة السليمانية، في زيارة للرئيس العراقي السابق أمين عام «الاتحاد الوطني الكردستاني» جلال الطالباني، حيث بحث معه الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. وأشارت مصادر متابعة إلى أن «العبادي أراد من زياراته تهدئة الأوضاع المتوترة بين السليمانية وأربيل، والبحث في وجود مسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار». وذكر المكتب الإعلامي للعبادي أن الأخير شدّد على «ضرورة التعاون بين الكتل السياسية لعدم العودة إلى الصراعات والخلافات السابقة»، وذلك في خلال اجتماعه مع قيادات من «الاتحاد الوطني الكردستاني»، داعياً إلى «إيجاد حلول لبعض القضايا العالقة»، خصوصاً أن «وضع إقليم كردستان لا ينفصل عن وضع العراق».
وفي حديث إلى «الأخبار»، فإنّ مصادر عراقية مقرّبة من رئيس الوزراء، رأت أن من «الطبيعي أن يتوجّه العبادي إلى أربيل والسليمانية، في الوقت نفسه، وذلك للجلوس مع الأكراد والاستماع إلى وجهات نظرهم في ما يخصّ مرحلة ما بعد داعش»، معتبرة أنّ «العبادي يحاول أن يخرج منتصراً من معركة الموصل بمباركة جميع القوى، الدولية والإقليمية والمحلية».