الدكتور فيصل القاق *في الأساس، لا يقوم مجتمع سويّ ودولة قوية إلا على مبدأ العدالة الاجتماعية، والذي يشعر معه كل مقيم على أرض تلك الدولة بأن ليس له فقط الحق، بل القدرة على الوصول إلى ما يطمح إليه.
استوعبت بعض الدول ـ ونُظُمها السياسية ـ ذلك وعملت على إحقاقه وحصدت نتائجه... رضىّ ورفاه، بينما بقي الكثيرون في معظم الدول الأخرى «مواطنون/ ت قيد الدرس».

تندرج الحقوق الإنجابية والجنسية ضمن ذلك الفهم، حيث لا ترتقي الشعوب من دونها. اليوم، وبمناسبة يوم المرأة العالمي وشعاره «الجرأة للتغيير»، لا أمل في التغيير من دون العمل على تلك الحقوق وتلك القدرات.
من هنا، تقف مسائل الصحة الجنسية والإنجابية عند عدم تنفيذ أجندة الحقوق تلك، واستمرار فجوة النوع الاجتماعي (الجندر)، التي تبين أخيراً لمنتدى دافوس الاقتصادي أنها لن تُغلق قبل مائة وسبعين عاماً من اليوم! والتي من أجلها، أطلق شعار العام ليوم المرأة العالمي «50:50» وعلى همّة النساء اللواتي ملأن شوارع واشنطن قبيل الإنتخابات الأميركية. فلا عجب إذن، وبوجود هذا الفالق الجندري، أن يمتلئ قعره بكل الأهوال والترسّبات التاريخية والموروثات التي تعيق حقوق النساء الإنجابية والجنسية.
فكيف للمرأة، مثلاً، أن تكتسب حقوقها الجنسية وتتمتع بصحتها الجنسية وهي المجبرة في تزويجها؟ والمكرهة في إنجابها؟ والمختونة في أعضائها التناسلية خوفاً على الرجال من فتنتها؟ والمطبّعة تلبية لرغبات زوجها كلما استشاطت رغباته الجنسية إثارة؟ والمهدّدة دوماً بمصير «العنوسة» ومصيبة «العُقر»؟ وكيف لها أن تشعر بكيانها ونديّتها في بلدٍ يقبع في المرتبة 143 في تقرير الجندر العالمي لجهة تمكين النساء؟ في هذه الدهاليز المخيفة، يتوالد الغبن والإجحاف والقهر اللاحق بالنساء، وعند منافذها تنمو اضطرابات المرأة الجنسية والنفس ـ جسدية والتي تصدّع كيان المرأة وعلاقاتها.
تؤكد الأبحاث والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة خلال العشرين سنة الماضية الإرتباط الوثيق بين الحقوق والصحة الجنسية لجهة الخصوصية وعدم التمييز والحصول على الخدمات وغيرها، وهو ما تؤكده أيضاً المجريات التشريعية في عددٍ من البلدان، ومنها لبنان بإقراره قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري الذي حمل الرقم 293. هذه بدايات واعدة وبراهين علمية ثابتة صوب علاقات سوية، ولكن ما العمل في مجتمعات يرى البعض فيها التثقيف الجنسي «مفسدة» وجنسنة النساء «مفخرة»، وإنجاب الذكور شطارة ليس بعدها شطارة؟ على أيّة حال، كل عامٍ وأنتنّ بخير
* اختصاصي جراحة نسائية وتوليد وصحّة جنسية