يصل «مهرجان البستان» الليلة إلى قمة برمجته لهذه السنة، ويقف عندها مساء غدٍ أيضاً. فالدورة التي انطلقت منتصف الشهر الماضي، تشهد مساء اليوم والغد أمسيتين على التوالي، تجمعان نجمَي المهرجان بدون منازع: عازف الكمان الفرنسي رونو كابوسون (الصورة) وعازفة البيانو الجورجية كاتيا بونياتشفيلي.
في الواقع، تحرص اللجنة المنظّمة دوماً على تطعيم دوراتها باسم مكرّس على الأقل، أو أكثر استثنائياً. هذه المرة، استطاع «البستان» جمْع اسمَين كبيرَين معاً وفي أمسيتَين متتاليتَين وببرنامجَين مختلفَين شكلاً ومضموناً.
الليلة يتشارك كابوسون وبونياتشفيلي خشبة المسرح في برنامج واحد، لكن بشكل منفصل، إذ يؤدي كل منهما على حدة، عملاً يجمعه بالأوركسترا، أي من فئة الكونشرتو. عازف الكمان الفرنسي يؤدي الكونشرتو الذي يحمل توقيع الإنكليزي إدوارد إلغار (1857 — 1934) ويعود تأليفه إلى العام 1910، في حين تؤدي عازفة البيانو الجورجية الكونشرتو الثالث لسيرغي رخمانينوف (1873 — 1943)، وهو من الأشهر في فئته تاريخياً، والأشهر على الإطلاق في القرن العشرين. ويتزامن تاريخ تأليفه مع عمل إلغار، إذ أنهاه المؤلف الروسي الكبير عام 1909. تشارك في أداء العملَين «أوركسترا مهرجان البستان» بقيادة المايسترو جيانلوقا مرتشيانو.
في هذا النوع من البرامج، يلتقي عموماً العازفان، بعد أدائهما عملَين مستقلَين، في ختام الأمسية لتقديم عمل مشترك أو أكثر، من خارج البرنامج. غير أن الأمسية التالية، مساء غدٍ، تقوم بالأساس على أعمال تجمعهما وهي من نوع موسيقى الحُجرة، أي سوناتات للكمان والبيانو أو أعمال من نفْس التركيبة. هكذا، نجد على البرنامج عملاً للتشيكي أنطونين دفورجاك (1841 — 1904) بعنوان Romantic Pieces وهي عبارة عن أربع مقطوعات مستقلّة ومجموعة تحت مصنّف واحد. العمل الثاني الذي يؤديه الثنائي الفرنسي/الجورجي هو سوناتة الكمان (والبيانو) الثالثة للمؤلف النروجي الأول في بلده، إدوراد غريغ (1843 — 1907)، وختامها مع السوناتة الوحيدة للكمان (والبيانو) التي تركها المؤلف الفرنسي البلجيكي الأصل، سيزار فرانك (1822 — 1890).
إذاً، مال الثنائي العالمي في هذين البرنامجَين إلى الأعمال الشهيرة التي تتمتع بشعبية واسعة في عالم الموسيقى الكلاسيكية. أما الحقبة التي ركّزا عليها، فهي الرومنطيقية الممطوطة إلى آخر مراحلها (مع رخمانينوف الذي بقي رومنطيقياً رغم أنه شهد أفول هذا التيار وقيام تيارات القرن العشرين الحديثة) والممثَّلة برموزها الكبار.
من جهة ثانية، يعتبر رونو كابوسون (1976) من أبرز رسل آلته في عالم الموسيقى الكلاسيكية في أوروبا، وهو الأول في بلده. أضف إلى ذلك أنّ فرنسا ليست من البلدان التي خرّجت الكثير من عازفي الكمان (بخلاف روسيا التي قدّمت ولا زالت تقدّم عازفي كمان كبار). منذ عميد عازفي الكمان وأهمهم في فرنسا، جاك تيبو (1880 — 1953)، لم نسمع بأسماء فرنسية كبيرة كثيرة، إذ يمكن تعدادها بسهولة شديدة (بالترتيب الزمني): كريستيان فيراس (ورث تيبو)، أوغوستان دوماي (ورث فيراس وهو غير نشيط في السنوات الأخيرة)، لوران كارسيا (الشاب الذي بدا واعداً في البداية ثم خفت نجمه) و… رونو كابوسون! نقول هذا الكلام للدلالة على أهمية الرجل وأهمية دعوته إلى لبنان، على رغم من تكرار التجربة (سبق أن دعاه «البستان» السنة الماضية) بدلاً من البحث عن أسماء كبيرة جديدة. كذلك الأمر، لناحية التكرار، بالنسبة إلى كاتيا بونياتشفيلي (1987) التي تحل ضيفة على المهرجان الشتوي العريق للمرة الثالثة (2013 و2015)!
بعد أمسيتَي رونو وكاتيا، تصل الدورة إلى أكثر محطاتها استثنائية… مساء الأحد المقبل، وبعد أدائها كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن (مساء السبت)، تترك عازف البيانو الإيطالية الجميلة غلوريا كامبانر آلتها وتتمركز خلف عدّة الـDJ لتمزج أعمالاً كلاسيكية على طريقتها. لنا عودة إلى الأمسية بعد حصولها، للحديث عن نتائج هذه التجربة الفريدة من نوعها في لبنان والعالم!