«هنا تُباع منتجات للسكري». «لدينا فرع خاص من الحلويات للسكري». «رز (…) ع السفرة حل شكلو أطول وطعمو أفضل (…) وصار عنا اليوم منو خاص لمرضى السكري والسمنة».
عينة بسيطة مما قد يراه مريض السكري من إعلانات لـ«الأكل» الخاص به، على حد تعبير الشركات المصنّعة والمروّجة لها. إعلانات تغرقه بكمّ من «المزايا» التي يتمتع بها هذا المنتج أو ذاك، إلى حدّ يشعره أن بإمكان أكل كيس رزّ وكيلو من حلوى «البقلاوة» في وجبة واحدة، من دون أن يرتفع مستوى السكّر في دمه. وهي إعلانات راسخة، للأمانة، بدليل كثرة المحال التي تروّج للمنتجات الخاصة بمرضى السكري، وكأنها سقطت بـ«باراشوت» دفعة واحدة. فهنا باتيسري تخصّص في حلويات مرضى السكري، وهنا «shop center» خاص لمنتجات السكري من الرز إلى الخبز إلى الأكل المطبوخ... والبوظة «الدايت» وخفيفة السكر! من دون أن ننسى طبعاً بعض اختصاصيي التغذية وأطباء الغدد الصماء والسكري الذين دخلوا على خط الترويج للمنتجات «الدايت» من باب النصيحة.
لكن، ليس دائماً ما يبقى الإعلان ناصعاً في ذاكرة المريض. هذا الذي يقول له في كل وقت، مثلاً، «كُل الرزّ الخاص بمرضى السكري ولا تأكل الرز العادي». فالحظ الذي يلعب دوره هنا، عند تناول المنتجات، في المحافظة على مستوى السكر في الدم، سينقلب في حينٍ آخر عاثراً، عندما يضرب مستوى السكر إلى أعلى مستوياته، كأن يصل مثلاً إلى «حدود 250 بدلاً من 110 مثلاً». هذا ما حصل مع أحد مرضى السكري. يروي هذا المريض بأنه «يواظب» على تناول المنتجات الخاصة، وخصوصاً «الأرز لأنني أحبه ويشعرني بالإكتفاء عندما أكون جائعا». جرّب هذا الرجل أنواعاً كثيرة من الرز إلى أن «استقريت على نوعٍ واحد، وجدت أنه جيد وطعمه مقبول». لكن، في أحد الأيام، بعد أربع ساعات من تناول «وجبة فيها أرز، شعرب بالدوار، وعندما فحصت مستوى السكر وجدته 210، علماً أنه في الحالات القصوى التي يرتفع فيها المستوى يصل إلى 170 كحدّ أقصى». في اليوم التالي، قرر المريض أن يأكل فقط «طبق أرزٍ وسلطة»، إلا أن المفاجأة كانت بالنتيجة «ضرب للـ250».

لا شيء اسمه منتج للسكري أو للتنحيف هذا لعب على النفسية وبزنس وتجارة وتسويق



بعد هذه «الضربة» التي كادت تكون قاتلة، كرّر التجربة مرة أخرى. طبق أرز. النتيجة واحدة. تضاربت الأسئلة في رأسه: ما هو هذا الأرز؟ وإن كان خاصّاً بمرضى السكري، كيف تكون هذه هي النتيجة؟ هذه الأسئلة تستتبع أخرى: هل هناك منتجات خاصة أصلاً لكلّ مرضٍ على حدى؟ هل هي حقيقة؟ أم أنها بدعة من اختراع شركاتٍ تتوسل الربح، ولو على حساب الصحّة؟ من هذه الأسئلة، كانت الإنطلاقه لإجراء فحوص مخبرية للأرز الذي يتناوله هذا المريض، واعتباره نموذجاً من بين أنواع كثيرة من المنتجات التي يغصّ بها السوق. في الفحص المخبري، جرى أخذ عينتين الأخيرة التي ضرب معها مستوى السكر إلى أعلى مستوياته، على الأقل في حالة هذا المريض، «واللي قبلها التي لم أشعر معها بأي اررتفاع». في النتيجة، تبين أن «مستوى البروتين في العينة الأخيرة تفوق 20 غراماً في كل 100 غرام، ونسبة الكاربوهيدرات بحدود 84 من كل 100 غرام»، وهو ما كان مختلفاً في العينة الأخرى «اللي قبل»، حيث كانت نسبة البروتينات ما دون عشرين. أي أنها بحسب نسبة ما دون العشرين المعتمدة في هذا المختبر هي «مطابقة للموصفات»، على عكس الأولى التي لم «تكن مطابقة للمواصفات».
هذه هي النتيجة التي تختلف كلياً عما هو مكتوب على كيس الأرز، صاحب «العلامة التجارية الموثوق بها منذ العام 1890»، حيث يشير الجدول عليه إلى «أن نسبة البروتين تبلغ 8,59 من كل 100 غرام، و79,38 نسبة الكاربوهيدرات». ما هي الحكاية إذا؟ لدى الإتصال بالشركة التي تسوّق هذا المنتج، صرحت إحدى الموظفات، باسم الشركة، إلى أنّ «هذا المنتج يأتي معبأً من الهند، فهناك يُفحص ويعبأ ومن ثم يرسل». من الهند، يأتي «خالصاً» إذاً. أما كيف نفحصه في لبنان؟ فتشير الموظفة إلى «أننا لا نجري فحصاً هنا»، ثم تستطرد قائلة «كان عنا بالشركة كم موظف عندهن سكري وأكلوا منو وما صرلن شي». هكذا، تقول شركة بهذا الإنتشار في لبنان وذات ثقة، لمرضى السكري كلوا على «ذمّة» موظفين مرضى استخدمتهم كحقل تجارب. كلوا... وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم. هكذا، هو منطق السوق، ومنطق الشركات تالياً التي لا تبغي سوى الربح، ولو كان على حساب صحّة المرضى. وهو ما يفعله غيرها في الترويج للحلويات والبوظة والخبز الخاص وغيرها من المنتجات، وكلها يفترض بديهياً أن تخضع للفحوص والمراقبة. لكن، لا شي يحصل، ومنطق الربح يفرض ذلك.
أما، عن السؤال حول جدوى «اختراع» منتجات خاصة بالأمراض، فيشير الدكتور أكرم أشتي، الطبيب المتخصّص في الغدد الصماء والسكري إلى أنّ «لا شيء اسمه منتج للسكري أو للتنحيف أو أي شيء، هذا لعب على نفسية مريض السكري وبزنس وتجارة وتسويق». ويتحدث أشتي عن «مواد يتم تصنيعها كمحليات تعطي تحلاية السكر يستخدمها المرضى بديلاً عن السكر لا أكثر»، ولكن المشكلة أن «هذا الموضوع غير مراقب، يعني ليس هناك جهات مثلاً لقياس نسبة السكر في هذه المنتجات». وأكثر من ذلك، يقول «حتى لو كانت هذه المنتجات، لنفرض مثلاً الحلويات، منتجة بمواد محلية صناعية مشابهة للسكر، فإذا تم أخذها بكميات كبيرة ستأتي بردّ عكسي».
بحسب أشتي، لا شيء «اسمه رز للسكري أو حلو»، وثمة معادلة بسيطة تقضي برمي كل هذه الترهات، «وتناول ما يريده بكميات محدودة ومعينة، مع تجنب أو الامتناع عن تناول المواد السكرية السريعة الامتصاص والتي تحتوي على نسبة سكريات عالية».
لا شيء اسمه منتج خاص. المعادلة واضحة. لا أرز ولا بقلاوة. فما يهم مثلاً في الأرز هو «الغلايسمك اندكس»، وهو مؤشر تصنيف للكاربوهيدريت على مقاس من صفر إلى 100. فحسب المؤشر الغلايسيمي، يقع الأرز مثلاً ما بين المؤشر المتوسط (56 إلى 69) والمرتفع (70 وأكثر). وهو ليس مؤشر مطمئن، فكلما كان المؤشر الجلايسمي عالياً، كلما تحللت نسبة الكاربوهيدريت بشكلٍ أسرع لتطلق الجلوكوز سريعاً إلى الدم، على عكس ما هي الحال مع المؤشر الغلايسمي المنخفض. والسؤال هنا، من يراقب هذا المؤشر على أكياس الأرز وغيرها من المنتجات التي يقال أنها خاصة للسكري؟ من يراقب هذا السوق بكامله؟

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]