الحصة الأولى من مقرر «الحرب الأهلية»، الذي يدرس في قسم التاريخ في كلية العلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف في مرحلة الدراسات العليا (الماستر)، تبدأ باستطلاع رأي يجيب فيه الطلاب الذين ينوون دراسة المقرر خطياً على الأسئلة الآتية: هل عشت بلبنان أم لا؟ ماذا تعرف عن الحرب؟
كيف تصف هذه الحرب؟ هل مكتوب على لبنان أن يعيش الحرب؟ هل يجب أن نتحدث عن الحرب أم لا؟ ما هي مصادر المعرفة حول هذه الحرب؟
اللافت في أجوبة الطلاب، بحسب مديرة قسم التاريخ في الجامعة وأستاذة المادة، كارلا إدة، أن غالبيتهم يجمعون على تسميتها بالحرب الأهلية، ويعتقدون أن الحرب لم تنته في لبنان. تقول إن المقرر الذي استحدث منذ عام 2005، بناء على طلب متكرر ومتزايد من المتعلمين، يعتمد بصورة أساسية على البحث التاريخي الذي يجب أن يقدم باعتبار أنّ هناك الكثير من الأمور نعرفها وأخرى لا نعرفها أو هذا ما نعرفه حتى اليوم. خلال دراسة المقرر، يتعلم الطلاب كيف يفتشون عن النصوص السياسية والمراجع على اختلافها لتكون مصادر يستندون إليها للحديث عن الأزمة أو القضية التي سيقاربونها، ثم يتمرنون على تحليل النصوص والمعطيات من أجل فهم أفضل للقضايا المعاصرة في لبنان والشرق الأوسط، بدلاً من أن يقولوا إن فلاناً قال لنا كذا وسمعنا كذا.
تسعى هذه المقاربة التعليمية الموضوعية إلى أن يعتاد الطلاب على ضبط انفعالاتهم فيتناولون كل وجهات النظر المتوفرة حول القضية، ولا يذهبون إلى الأقرب، كي يتمكنوا من صياغة روايتهم النقدية وليس التاريخ.
مع دراسة هذه المادة، يكتشف كثيرون، بحسب ادة، أنّ الرواية التي سمعوها من أهاليهم ليست هي الرواية الوحيدة الصحيحة كما كانوا يظنون، ومنهم من يصلون إلى قناعة بأنّها رواية خاطئة.
تستدرك ادة: «نعلم طلابنا بأن البحث ليس العدالة والمؤرخ ليس قاضياً يفتش عن المسؤول عن وقوع الحرب ومن معه حق ومن يسجل نقاطاً ضد الآخر. ما يقومون به من خلال هذا المقرر هو تحليل نقدي وليس تحديد مسؤوليات، على قاعدة من نحن لنحدد مسؤوليات ومن طلب منّا ذلك؟».
برأي ادة، البحث التاريخي لا يتوقف، وعلى المركز التربوي أن يطلب نسخاً من الأبحاث والكتب الجديدة الصادرة من الجامعات ومؤسسات الدراسات في لبنان، لتكون بين أيدي اللجنة المكلفة بإعداد المنهج الجديد لتعليم مادة التاريخ للوقوف على آخر الإنتاجات الفكرية في هذا المجال، وليستقوا منها المواد والأفكار الجديدة.
فالجامعة اليسوعية نظمت في السنوات القليلة الماضية ثلاثة مؤتمرات عن النزاعات، لا سيما أحداث 1860، والتعايش والنزاعات في بلاد الشام، بالتعاون مع جامعة البلمند والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية وعدد من الباحثين اللبنانيين والأجانب. وقد أنتجت في إثرها كتب تاريخ أبدى خلالها كل من المؤرخين المشاركين وجهة نظره حيال الأحداث.