منذ سنوات، تعيش الصحافة المطبوعة في مصر أزمة يعتبرها بعضهم «الأشد في تاريخها» حيث تعاني «السلطة الرابعة» انحساراً بلغ حد إغلاق بعض الصحف، وتراجع توزيع ما تبقى منها، في وضع لا ينفصل عن التطورات السياسية المتلاحقة منذ ثورة يناير 2011. في أحاديث لوكالة «الأناضول»، أرجع اختصاصيون هذه الأزمة إلى خمسة أسباب هي: «نفاق الصحف للنظام الحاكم أياً كان؛ مما أفقدها المصداقية، ونمطية المحتوى الصحافي، مقابل تطور المحتوى الإلكتروني، والتضييق على الحريات العامة، والانقسام السياسي المجتمعي الحاد، فضلاً عن وضع اقتصادي متردٍ في مصر».
في آخر تقرير له خاص بالمطبوعات، رصد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) تراجع عدد الصحف الصادرة في مصر عام 2015، مقارنة بالعام السابق له، فضلاً عن تراجع توزيع الصحف المصرية داخلياً وخارجياً.
ففي ذلك العام، صدرت 75 صحيفة، بين حزبية وخاصة وقومية (مملوكة للدولة)، بمعدل توزيع 560.7 مليون نسخة، مقارنة بـ80 صحيفة صدرت عام 2014، بمعدل توزيع بلغ 655 مليون نسخة، فضلاً عن تراجع عدد الصحف الحزبية من ثمان في 2014 إلى ثلاث صحف فقط عام 2015.
جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة «المصريون» (خاصة) قال للوكالة إنّ «تراجع الصحف المصرية يعود إلى أسباب عدة، منها نفاق غالبية هذه الصحف لثورة 2011 ورموزها، ثم تغييب هذه النبرة بعد انحسار الموجة الثورية؛ مما أثر على مصداقية بعض الصحف، وتسبب في تراجع توزيعها». متفقاً مع سلطان، لكن بنظرة أشمل، قال صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، إنّ «الخطاب الإعلامي في مصر يطوع نفسه دائماً مع كل مرحلة سياسية. وحتى لو لم يغير النظام (الحاكم) الجديد الإعلام، فإن المؤسسات الإعلامية تطوع نفسها لتسايره». ولفت إلى «وجود علاقة تبادلية بين الإعلام والنظام السياسي في معظم الدول التي تتعامل مع ملف الحريات بشكل تكتيكي.. هناك إعلاميون وصحافيون يترجمون خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مصطلحات يظهر فيها الرياء، تطوعاً منهم من دون طلب من السلطة».
تدهور أوضاع الصحف المصرية يعود أيضاً، وفق جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» إلى«انحسار الموجة الثورية، وتغير المناخ السياسي، فالأجواء بعد ثورة 2011 كانت منفتحة ومحفزة؛ ما سمح بالانفتاح والحرية. أما الآن فكل هذه المعاني غائبة». وتابع أنّ «إغلاق المجال العام تسبب في تقلص الصحف، ووضع خطوط حمر لا يتجاوزها الجميع، إضافة إلى إغلاق بعض الصحف».
خالد البلشي، مقرر لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصريين اعتبر أنّ «الصحافة المصرية تتعرض ﻷشد أزمة في تاريخها، فهي في أسوأ عهودها على الإطلاق». وتابع أنّ «توزيع كل الصحف تراجع؛ بسبب التضييق على الحريات العامة وإنغلاق الأفق السياسي، وهو وضع يشمل كل الصحف، ما صدر منها قبل ثورة يناير أو بعدها». علماً أنّ مجلس النواب المصري، وافق في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، على قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، الذي يلقى اعتراضاً من نقابة الصحافيين، إذ تعتبر أنه «يسمح بسيطرة السلطة التنفيذية على الإعلام».
لكن لترجع توزيع الصحف المصرية أيضاً أسباب داخلية منها، وفق رئيس تحرير «المصريون» أن «محتواها أصبح نمطياً، ولم يعد القارئ يتوقع منها نشر محتوى جيداً. لذا زهد القارئ فيها، وأصبح يفكر جيداً في مدى مناسبة محتواها للمبلغ المدفوع فيها». في السياق عينه، يرى صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة أنّ «المحتوى الإلكتروني أصبح سابقاً للمطبوع، وبالتالي انصرف الكثير من القراء إلى متابعة ما يريدون عبر شبكة الإنترنت، سيما أنّ الصحف المطبوعة تتناول أحياناً أحداثاً تابعها الناس بالفعل (في اليوم السابق) على مواقع التواصل الاجتماعي».