لا ينوي ملحم رياشي أن يمرّ على وزارة الإعلام، كما مرّ غيره من الوزراء في العقود الأخيرة، من دون أن يترك بصمة. الوزير المتحمّس الآتي من عالم الكتابة والشاشة الصّغيرة قبل المسؤولية الإعلامية في حزب القوات اللبنانية، يدرك جيّداً أزمات قطاع الإعلام والصحافة اللبنانية، التي تنزاح عن الصّدارة أمام هجوم وسائل التواصل الاجتماعي، ونهاية عصر «احتكار المعلومة».
وإذا كانت الظروف الموضوعية التي منعت وزير الإعلام السابق رمزي جريج من إيصال مجموعة من القوانين إلى مجلس الوزراء، فإن طريق رياشي تبدو «ميسّرة»، طالما أنه مثابر على عمله، وطالما أن القوى السياسية المختلفة، تريد أن تبيع الإعلام اللبناني حرصاً واهتماماً متأخراً... من كيسه.
والأنكى، أن اهتمام السياسيين بوسائل الإعلام، يزداد بالتوازي مع انحسار المال السياسي، الذي يشحّ ويشحّ، فيصير لزاماً على القوى السياسية الممثّلة بالحكومة استرضاء الإعلاميين والصحافيين بحقوقهم القانونية، بدل الحقائب و«الكاش» الذي ضمن الولاء الأعمى فترة طويلة من الزمن، أكثر من القوانين والأنظمة.

اقتراح بدعم
الصحف بـ 500 ليرة عن كلّ عدد يباع


هذه ليست رؤية رياشي طبعاً. فالوزير مقتنعٌ بضرورة تحديث القوانين التي تختصّ بشؤون الصحافة والإعلام، من القوانين المهنيّة إلى تلك الحقوقية التي تضمن حياة آلاف العاملين في هذا القطاع وبحاجة المهنة وممتهنيها إلى الرعاية والاهتمام، للبقاء على قيد الحياة. وهؤلاء، يجدون أنفسهم كلّ مرّة في مهبّ الريح متى تقرّر وسيلة إعلامية ما، صرف موظفيها أو تقنين موازناتها تماشياً مع «متطلبات المحاسبة» وغياب المال السياسي وسوء الإدارة، بلا ضمانات، مادية أو معنويّة، مكتفين بكونهم «سلطة رابعة»، لا تملك إلّا خياراً من اثنين: إمّا الإفلاس، وإمّا الركون بصمتٍ على إحدى قوائم صحافة «المواقف المسبقة الدفع».
في الأيام الماضية، حطّت مجموعة من مشاريع القوانين والمراسيم المعدّة في وزارة الإعلام، على مكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، على أن تلحقها في المرحلة الثانية قوانين جديدة أخرى. يختصر رياشي الوقت مستغلّاً النشاط الحكومي ليمرّر «قوانينه»، التي إن نالت رضى الوزراء ثم مجلس النّواب، تساهم إلى حدٍّ معقول في تطوير القطاع وحماية العاملين فيه، وتحفظ ماء الوجه لبيروت، فتبقى نطاق ضمانٍ للإعلام.
وبحسب المعلومات، فإن أبرز القوانين المقترحة هو اقتراح قانون تحميل الدولة اللبنانية تكاليف الضمان الاجتماعي للصحافيين والعاملين في القطاع. وبذلك، يكفل الصحافيون «ضمانهم»، وتسقط من يد أصحاب الوسائل الإعلامية ذريعة التكلفة، للتهرّب من ضمان بعض الموظّفين لديهم. كما تجد وسائل الإعلام نفسها متحرّرة من التكلفة المالية الشهرية لضمان موظّفيها، بما يسمح أن تُقَدِّم جزءاً منها كزيادة على الرواتب أو للتطوير. لا يتوقّع الوزير أن يمرّ هذا الاقتراح بسهولة في مجلس الوزراء، ولو أنه ضمن، إلى حدٍ ما، التجاوب الأوّلي حول الأفكار من عددٍ من الوزراء، وطبعاً، الرؤساء الثلاثة. ومن بين الاقتراحات اثنان، الأوّل عنوانه إعفاء وسائل الإعلام من الرسوم والعلاوات البلدية (الأشغال العامة، رسوم أعمال، مشاريع...)، وإجراء تعديلات على ضريبة القيمة المضافة لكلّ ما يتعلّق بالقطاع، فيما يقترح الثاني إجراء تسوية بين الدولة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، حول قيمة الرّسوم وبدلات الإيجار السنوي المترتبة على وسائل الإعلام (بدل إيجار التردّدات). وبحسب رياشي، فإنه سيسعى بأقصى جهده، لـ«الوصول إلى صيغة تسوية، إمّا تُعفي المؤسسات من المتراكمات، وإمّا تُخَفِضُها بنسبة 70%».
أمّا في ما خصّ وسائل الإعلام المكتوبة والصحافة الورقيّة، فلا ينسى رياشي التذكير بأن الوزير جريج أعدّ مشروع قانونٍ لدعم الصحافة الورقية بمبلغٍ شهري من المال. إلّا أن النقاشات الأخيرة قبل إرسال الاقتراح إلى مجلس الوزراء، أفضت إلى تبلور فكرة دعم الصحف بمبلغ 500 ليرة عن كلّ عدد يُباع، بما يحفّز الصحف على رفع نسبة مبيعاتها، ويزيد من المنافسة، بدل مساواة الصحف النشيطة بتلك البليدة. ويساهم اقتراح القانون هذا تحديداً، بمنح الصحف هامشاً أوسع من الحركة والحريّة، طالما أن الدولة هي الداعم، بدل التزلّف للجهة السياسية تلك أو الدولة الفلانية، لتأمين المال المطلوب للاستمرار. وليس محسوماً بعد إن كان هذا الاقتراح تحديداً بحاجة إلى صدور قانون من مجلس النوّاب، أو إن كان بمقدور مجلس الوزراء وحده إصداره كمرسوم. ومع علم رياشي المسبق بإمكان وجود اعتراضات على اقتراح من هذا النّوع، بحجّة تكليف الدولة أعباء إضافية، يخطّط الوزير لإقناع زملائه من الوزراء بأن يكون مشروع الدعم لعامين على الأقل إن تعذّر الاتفاق على الدعم الدائم، بما يسمح للصحف خلال العامين بالانتقال إلى مرحلة النشر الإلكتروني بالكامل، أو إيجاد وسائل بديلة للاستمرار، في عصر الشاشات المحمولة. كذلك قدّم وزير الإعلام اقتراحاً برفع بدل الإعلانات الرسمية التي تُنشر في الصحف من 5 آلاف ليرة للسطر إلى 15 ألف ليرة، لتُصبح قيمة الإعلانات الرسمية مطابقة للإعلانات الخاصة.
وبعيداً عن الاقتراحات المالية، تعدّ وزارة الإعلام، بالتعاون مع مجموعة من الصحافيين والقانونيين، مشروع قانون لـ«الآداب العامّة» المتعلّقة بالصحافة، يضع الخطوط العريضة لالتزام «آداب المهنة وآلية محاسبة وسائل الإعلام المتجاوزة»، على أمل أن يتمكّن القانون من المواءمة بين هامش الحرية والحفاظ على الضوابط الوطنية.
كذلك، أرسل رياشي قبل أيام كتاباً إلى مجلس الوزراء، يتضمّن المباشرة بالإجراءات الهادفة إلى تعيين أعضاء جدد في «المجلس الوطني للإعلام»، إذ إن ولاية المجلس منتهية منذ زمن، وآلية تشكيله تتم على مرحلتين، واحدة بانتخاب مجلس النواب خمسة أعضاء، والثانية بتعيين مجلس الوزراء الأعضاء الخمسة الباقين، ليقوم بعدها الأعضاء العشرة بانتخاب رئيس وهيئة للمجلس من بينهم.
ليس خافياً أن نشاط الرّياشي الشخصي والمهني، ومشروعه تحويل وزارة الإعلام إلى «وزارة التواصل والحوار»، على غرار بعض دول العالم، يصبّ الآن في خانة تجديد صورة حزب القوات اللبنانية، وتقديم وزراء القوات نموذجاً للوزراء المهنيين بعيداً عن الخلفية السياسية، إلّا أن ما يقوم به وزير الإعلام، أكثر من حيوي وضروري، لتأمين استمرار قطاعٍ يشكّل جزءاً من إرث لبنان في المنطقة والعالم، ويعيش مخاض غياب الأفق.