تعدّلت مناهج التعليم العام في لبنان، منذ نشوئه ككيان سياسي في العام 1920، وحتى اليوم - أي على مدى قرنٍ من الزمن تقريباً 3 مرّات: مرّةً أولى، عام 1946، غداة الإستقلال في العام 1943 عن سلطة الإنتداب الفرنسي؛ وثانية، عام 1971، تلت صدامات أهليّة وصراعات متفرّقة في لبنان كما المنطقة العربية بشكلٍ عام؛ وثالثة عام 1997 بعدما وضعت الحرب الأهلية أوزارها عقب اتفاق الطائف وتعديل الدستور وقيام الجمهوريّة الثانية.
ففي مناهج 1946، طغت عناصر عاطفية على منهج التربية الوطنية في محاولة لخلق قوميّة لبنانية ومشروع شعب موحّد للبنان الكبير (وهو الدولة الناشئة قبل اكتمال عناصر القوميّة ووحدة الشعب). كان مكان التربية على المواطنية في المدرسة من خلال مادة «الدروس الأخلاقيّة والوطنية» في المرحلة الإبتدائية، و»الأخلاق والشؤون المدنية الوطنيّة» في المرحلة الإبتدائية العالية، وفي المرحلة الثانوية تصبح المادة متفرّعة إلى: 1) تعليم ديني و2) أخلاق وشؤون مدنية ووطنية. في الأهداف العامة لمناهج المادة، نقرأ ما يلي عبر سنوات مراحل التعليم: «رش أولى بذور الوطنية الحقة، ونشر أسهل مبادئ الفضيلة بوسائل مختلفة ومشوّقة، مستمدة من صميم الطفولة في مرحلة روضة الأطفال»؛ الشعور بـ»الإعتزاز بالقوميّة والفخر بمناقب الأمة وأمجادها لا سيّما تلك التي كان فيها منفعة للإنسانية وخدمة للحضارة». وكان منهج التربية الوطنية ينظر إلى التلميذ على أنّه «كائن إنساني مؤهل للعيش في مجتمع أخلاقي متضامن الأفراد وفي وطن له كرامته وعزته القومية»؛ ويولي «أهمية لـلتضامن الإجتماعي والعلاقات الدولية والتعاون الوثيق اللازم مع أهل البلاد العربية». انقلبت مناهج 1971 على المناهج السابقة من دون تحديد سياسة واضحة للمقاربة القوميّة البديلة وعناصر وحدة الشعب في حين افتتحت مرحلةً تعلّميّة جديدة من ضمن مقاربة المنهج المدمج حيث غابت التربية الوطنية كمادة دراسية وحضرت عناصرها في مواد لصيقة. الهدف العام منها كما توضح المناهج، هو إعداد المواطن الصالح «عن طريق تربية خلقية واجتماعية وثقافة تاريخية وجغرافية»، «مع إعداد نزهات وزيارات للأماكن الأثرية والسياحية للتعرّف إلى كثير من المعالم التاريخية والجغرافية في لبنان». وتمحورت عناصر المنهج حول: الحياة الإجتماعية، واجبات وحقوق، الأب/الأم، العائلة، الأعياد، قيم التعاون، الريف والقرية، التراث، الهجرة، المشاكل الناتجة عن التلوّث، العمران والمدن، الأنظمة والقوانين في المدرسة وفي المجتمع، العادات والتقاليد، القيم، الإرتباط بالوطن والدفاع عنه والتضحية في سبيله، القضاء وحكم القانون، المهن الحرة ومجالاتها، السياحة والسلوك السياحي. أخيرًا، أعادت مناهج 1997 صوغ رؤيا تثبت الهوية العربية المرتبطة بالفضاء الثقافي للبنانيين وتعطي أنظمة العيش المشترك بينهم مكانةً ذات أولويّة، حيث نقرأ في مقدّمتها مثلاً عن «تثبيت الإنتماء وترسيخ الوحدة الوطنيّة بالتوازي مع الإنفتاح الروحي والثقافي». ونقرأ أيضاً عن «تأمين المعلومات والكفاءات والمهارات اللازمة للشباب والتركيز الخاص على التربية المدنيّة والقيم اللبنانية المتميّزة بالحرّية والديموقراطيّة واللاعنف». وذهبت دراسات تقييم هذه المناهج إلى إهمالها بناء المواقف والقيم على حساب الإغراق في الكم المعرفي حيث نجد أيضًا غموض بعض النصوص واتباعها منحى تمويهي لجهة الهوية العربية والتأكيد عليها وإضافة (بشكل صيغة توحي بالشرطية) انفتاح لبنان على العالم.

*أستاذ في كلية التربية في الجامعة اللبنانية