«التربية الوطنية والتنشئة المدنية» كما تدرس حالياً مادة تسهم في تحسين فرص النجاح المدرسي للولد بفضل العلامة الجيدة التي يسهل الحصول عليها أكثر من كونها وسيلة تربوية يستخدمها المجتمع اللبناني لتنشئة المواطن.
هي تركز على مفاهيم المواطنة بحدودها الدنيا، أي التي تكتفي بالمعارف النظرية وبعض الأنشطة البسيطة، ما يؤدي إلى نقص في الدافعيّة لدى التلامذة وهوّة بين ما يصبو إليه المعلمون وبين استعدادهم لتغيير نظرتهم للمادة وطريقة تعليمها. في المناهج الحالية، يطغى استخدام الطرائق المرتكزة على المعرفة ونقلها، مع تزايد الاعتمادعلى بعض الأساليب التفاعليّة، ولا سيّما بين المعلّمين الذين باتوا يتدرّبون عليها أخيراً، ومعظمهم من المدارس الرسمية.
هذه أبرز النتائج التي توصلت إليها دراسة بعنوان «مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وتعليمها في لبنان: الواقع والتصوّرات»* أعدتها الباحثتان سوزان عبد الرضا أبو رجيلي** ووديعة الخوري***.
أدوات البحث شملت ثلاث استمارات هي: استمارة التلميذ، استمارة المعلّم واستمارة الأهل. وقد نُفذ العمل الميداني في تشرين الثاني 2015 ضمن 270 مدرسة، تضمّ 360 شعبة من صفي التاسع أساسي والثالث ثانوي، بشكل يراعي التوزّع بين القطاعين الرسمي والخاص، وبين المحافظات. وقد تمّ اختيار هذين الصفّين لأنهما يمثّلان نهاية مرحلتين مهمّتين من التعليم ما قبل الجامعي، بحيث يكون التلامذة قد اكتسبوا خبرة تعلميّة متراكمة تسمح لهم بسرد واقع المادّة التي عايشوها خلال سنوات.
وشارك في الإجابة عن الاستمارات 5312 تلميذاً و96,6% من أهلهم (5151 شخصاً)، إضافة إلى 302 من المعلمين.
بحسب الدراسة، اعتبر التلامذة والمعلمون والأهل بنسب متقاربة أنّ مادة التربية الوطنية تهيئ الولد ليكون مواطناً صالحاً. إلا أنّه في إبداء الرأي بالمادة، أعطى التلامذة لائحة من الموضوعات التي يريدون الحفاظ عليها في حال تغير المنهج، ولا سيما ما يتعلق بالخدمة الاجتماعية والمشاركة السياسية والمحافظة على البيئة، وحقوق المعوقين والحق بالاختلاف بشكل خاص، والحريات والإعلام.
أما المعلمون فقد أعطوا لائحة طويلة من المواضيع/ المحاور التي يطلبون حذفها من المنهج، ما يعكس، برأي الباحثتين، تحديات تربوية وزمنية ومنها ما يكشف عن الاختلافات السياسية للمعلمين. ومن هذه المواضيع ما يتعلق بالسكان (والهجرة والنزوح) والموارد والبيئة كونها تدرس في مادة الجغرافيا، وما يتعلق بالأمم المتحدة كونها تدرس في مادة التاريخ (أو على الأقل اختصار المحور) وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجامعة العربية كونها غير فاعلة أيضاً. كذلك محور الفلسفة والأخلاق كونه يدرس ضمن مادة الفلسفة.
وطلب عدد من المعلمين تحديث المعلومات في بعض المحاور وتبسيطها، وفقاً للتغيرات وللحاجة، كتلك المتعلقة بخدمة العلم وبالموازنة وبالانتخابات والتحديات والأخلاقيات المتعلقة بها.
="" title="" class="imagecache-2img" />
للصورة المكبرة انقر هنا

وأشار العديدون إلى ضرورة حذف المواضيع التي لا تتلاءم مع الواقع اللبناني، مثل التضامن العربي والعلاقات المميزة اللبنانية ــ السورية، وتغيير ما يتعلق بالمقاومة ليشمل مقاومة الاحتلال السوري إلى جانب مقاومة الاحتلال الصهيوني، أو على الأقل طرح مفهومي الاحتلال والمقاومة بشكل عام.
وفي ما يخص التقارب بين محتوى الكتاب والواقع اللبناني، رأى 66.8% من المعلمين أنه جزئي، مقابل 26.8% اعتبروه غير موجود، ما يعكس وجود مشكلة حقيقية في هذا المجال، نظراً إلى كون وظيفة التعليم هي تحضير المتعلم للتعامل مع واقع مجتمعه.
للتعويض عن هذا الوضع، أشار 66% من المعلمين الى أنهم يجعلون التلامذة يحللون وينتقدون، و20.8% إلى أنهم يستعينون بمستندات ووسائل إضافية.

دعوة إلى حذف دروس
التضامن العربي والعلاقات المميزة اللبنانية ـ السورية


أما الصعوبتان البارزتان، وفقاً للتلميذ ولأهله، فهما كثرة الحفظ وكثافة المنهج، بينما يشير التلامذة إلى بعد المادة عن الواقع المعيش كصعوبة مهمة، كما يتوافق التلامذة وأهلهم بنسب متوسطة حول صعوبات مثل نقص الاهتمام بالمادة وصعوبة المصطلحات المستخدمة وصعوبة الأفكار الواردة والضجر في الصف. ولا تبدو علامات التلاميذ متدنية، إذ إنهم وأهلهم لا يعتبرونها صعوبة (نظراً إلى كون الحفظ عن ظهر قلب يضمن الحصول على علامات جيدة).
تقول الدراسة إنّ الترابط بين هذه الصعوبات واضح وصريح، بحيث تسهم الطرائق التلقينية الشائعة في تعزيز الحفظ وتولد ضغطاً نفسياً على التلامذة، الذين يشعرون بالضجر ونقص الاهتمام، وبثقل المعلومات ضمن المنهج، من مصطلحات وأفكار لا يفقهونها بالضرورة ولا يتمكنون من ربطها بواقعهم المعيش.
ويلفت التلامذة إلى أنّ تطور الحياة بشكل متسارع يحتّم إدخال مواضيع عصرية مثل التنشئة الجنسية، والسلامة على الإنترنت، وتدوير النفايات، ومعالجة التلوث، والوقاية من المخدرات، وقانون السير، والقوانين المستحدثة، والتعايش الديني والطائفي، والزواج المدني، ودور المرأة في المجتمع، والمشاكل السياسية والاجتماعية في تركيبة المجتمع اللبناني (ومنها تدخل السياسة الخارجية في الشأن اللبناني، والتقصير لجهة الإنماء المتوازن ومكافحة الفساد).
أما في ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا في التعليم، فقد قدم 73.3% من المعلمين، مقابل 60.3% من التلامذة و46.2% من الأهل هذا الاقتراح. وفي التفاصيل، طرح استخدام الأفلام الوثائقية و الوسائل الحديثة كالكمبيوتر واللوح التفاعلي وآلة العرض LCD، واللوحة الذكية I-Pad والبرامج الحديثة. وبرأي المشاركين، من شأن هذه الاستخدامات تقريب الأحداث والواقع من التلميذ، وتعزيز انفتاحه على العالم، وإضفاء الحيوية، وبالتالي جذبه نحو المادة.
وتدعو الباحثتان إلى الانطلاق من الاقتراحات المقدّمة من التلامذة والمعلّمين لرسم سياسة توعية مدنيّة للأهل تتبنّاها المدارس ووسائل الإعلام، وتتكامل مع محتوى المادة وتنظيم نشاطات مدرسيّة جامعة بين المؤسسات التربويّة، تهدف إلى تعزيز المشاركة المجتمعيّة والتعايش بين التلامذة. ويمكن إعطاء برنامج «ألوان» كنموذج (بالمناسبة هو برنامج تنفذه مؤسسة أديان!)
وحول التطوير المهني للمعلمين، تؤكد الباحثتان ضرورة بناء تصوّر متكامل وعملي لآليّة تدريب المعلّمين ومتابعتهم، انطلاقاً من فلسفة المنهج، على استخدام طرائق تعليم تنمّي «مواطنة المشاركة» مثل التعليم بواسطة «الحوار حول الأمور الساخنة»، ومشاريع خدمة المجتمع ولعب الأدوار والرحلة التربويّة الهادفة والتقصّي والاستكشاف، ومحاكاة أعمال مؤسسات الدولة والمحاكم... وتأمين المتابعة والدعم اللازمين لحسن تطبيق هذه الممارسات.

*يمكن قراءة التقرير الكامل للدراسة على موقع المركز التربوي www.crdp.org.
** أستاذة وباحثة في كلية التربية ــ الجامعة اللبنانيّة، مستشارة تربويّة في المركز التربوي للبحوث والإنماء.
***أستاذة محاضرة في كلية التربية ــ الجامعة اللبنانية، وفي جامعة القديس يوسف وجامعة الكسليك، خبيرة في لجنة تحديث منهج التربية الوطنيّة.


* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]