علمت «الأخبار» من مصادر عراقية رفيعة المستوى أن «اتفاقاً قد أبرم في الأيام الماضية، بين رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر»، يهدف إلى وضع برنامج عمل سياسي «متناقضٍ في العلن» ولكنّه «توافقيٌّ في السر»، يقود في نهاية المطاف إلى تحالف انتخابي، عماده الأساسي إطاحة مشروع رئيس كتلة «دولة القانون» نوري المالكي.
ويشرح مصدر مطّلع، في حديثه إلى «الأخبار»، أن التقارب بين وجهتي نظر الرجلين مردّه إلى «الرؤية المشتركة لمنهج العمل السياسي، والابتعاد عن الأحزاب القويّة والكبيرة، والتوجّه إلى الكفاءات البشرية غير المحسوبة على أيّ من القوى والتيارات السياسية»، في إطار محاصرة هيمنة بعض القوى (التي يتهمها الصدر والعبادي على حدٍّ سواء بأنها فاسدة) على «مفاصل اللعبة السياسية».
وبالعودة إلى رواية «الاتفاق»، تنقل المصادر أن العبادي منح «التيار الصدري» هامشاً برفع سقف «المطالب الشعبية»، إضافةً إلى تأكيد «حقّ التظاهر وصولاً إلى العصيان المدني» في وجه الحكومة ومؤسسات الدولة، بشرط عدم المساس بالعبادي شخصاً أو منصباً، وكلّ ذلك تحت حجّة «محاربة الفساد المستشري في أجهزة وإدارات الدولة». وتضيف أن الاتفاق الداعي إلى «حراكٍ مطلبي، يحظى بدعمٍ غير مباشر من بعض القوى الداخلية الأساسية، والإقليمية». وسينتهي «الاتفاق»، وفق المصادر، بتحالف انتخابي بين الطرفين، يسمح ببقاء العبادي لولاية ثانية على رأس الحكومة، بمباركة إقليمية ــ دولية، بشرط ضمان التزامه بمشروع الصدر السياسي.
وتنقل المصادر أن العبادي برّر للصدر «سقوط الدم في الحراك الأخير» (سقط يوم السبت الماضي 7 قتلى وحوالى 200 جريح)، بالقول إن «بعض الأجهزة الأمنية ليست تحت تصرّفي، وإنني في صدد معالجة هذا الأمر»، في محاولةٍ من رئيس الحكومة لتعزيز فرضية طابور ثالث يخدم الاشتباك القائم بين الصدر والمالكي، ويُبعد شبهة «المندسين» في «التيار الصدري»، وفق المصادر.

قد تحمل الأيام المقبلة
تصعيداً صدرياً جديداً أمام
المدينة الخضراء

وتستكمل المصادر أن الأيام المقبلة قد تحمل تصعيداً «صدريّاً» جديداً أمام المدينة الخضراء، بهدف إسقاط «مفوضية الانتخابات» وتغيير القانون الانتخابي، وهو أمرٌ يدركه جيّداً المالكي، باعتبار أن خطوة الاقتراب أكثر من «الخضراء» والدخول إليها هو استهداف شخصيٌّ له، وتهديد لأمنه، ما يعني الحاجة العملية للدفاع عنه من قوى حكومية وغير حكومية.
وتعرّج المصادر على اللقاء الذي جمع ليل أوّل من أمس قادة فصائل «الحشد الشعبي» بالمالكي، في دارة الأخير (وهو عكس ما أعلنته وسائل إعلام عراقية بأن اللقاء جرى يوم أمس)، مؤكّدةً أن بعض القادة أعلنوا لمضيفهم «أننا معك، ولن نسمح بالمساس بك»، ذلك أن المالكي يصف نفسه بـ«مؤسس الحشد وحاضنه... وبالتالي فإن بعض الفصائل تابعةً له، وحضوره قويٌّ فيها».
وكانت لافتة في «الحراك الحشدي» زيارة لثلاثة وجوه سياسية في العاصمة بغداد، ليل أوّل من أمس، تقدّم الوفد نائب رئيس «هيئة الحشد» أبو مهدي المهندس، وقائد «منظمة بدر» هادي العامري، وأمين عام «حركة النجباء» أكرم الكعبي، وآخرون من القادة العسكريين لبعض الفصائل. وافتتح الوفد زياراته بزيارة رئيس «التحالف الوطني» عمار الحكيم، حيث جرى الحديث عن تطورات معركة «قادمون يا نينوى»، وفق مصادر الحكيم. وانتقل وفد «الحشد» بعدها إلى مكتب مقر رئاسة الحكومة، تلبيةً لدعوة عشاءٍ وجّهها رئيس الحكومة عبر سكرتيره الخاص كاظم الموسوي.
ورغم إعلان مكتب العبادي أن هدف اللقاء «مناقشة تنظيم عمل الحشد في ضوء القانون الجديد»، وإشادته بإنجازات «الحشد» والتأكيد على أن العراق في «المراحل الأخيرة لهزيمة داعش... وعدم السماح باستخدام اسم الحشد للإساءة إليه ولمقاتليه»، فإن مصادر رفيعة حضرت الاجتماع أكّدت لـ«الأخبار» أن «مناخ اللقاء بين الطرفين كان متشنّجاً جدّاً، ووصل حدّ الصدام بينهما».
وتؤكّد المصادر أن «التشنّج» كان ردّ فعلٍ على «انتقائية» العبادي في التعاطي مع فصائل «الحشد»، إذ يدعو العبادي إلى «وحدة قيادة الحشد، في حين يعمل في الكثير من المحطات والمفاصل على قاعدة الفصائل»، وقد برز ذلك بأسلوب توجيه الدعوات، واستثناء عددٍ من الفصائل، أبرزها «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله»، لأسباب تعود إلى «خلافات عملياتية ــ قياديّة للمعارك والارتهان الخارجي»، وفق مصادر الأخير.
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، إذ إن أغلب الفصائل كانت «معبّأة ضد العبادي لأسباب عدّة»، خصوصاً أن الأخير لم ينصف «الحشد» من حيث الميزانية والدعم اللوجستي ورواتب مقاتليه، وسط معاملة حكومية «سيّئة» بتعبير أحد الحاضرين، الذي قال للعبادي «إنكم تتعاطون معنا بدونية، كالعبيد. نحن قدمنا الدماء، وحرّرنا الأراضي، في المقابل لا تقدّمون لنا أي دعم مقارنةً بتجهيزات الأجهزة الحكومية الأخرى، وإنجازاتها». وردّ العبادي على «الاتهامات بالتقصير» معتذراً بـ«الميزانية المحدودة»، فتساءل أحد الحاضرين «نحن عديدنا 140 ألفاً، وميزانيتنا لـ110 آلاف»، مستهجناً أن «راتب المقاتل في الحشد يبلغ 550 ألف دينار، في حين ان راتب العنصر في جهاز مكافحة الإرهاب هو مليونا دينار».
وختم وفد «الحشد» زياراته بضيافة المالكي الذي أكّد بيان صادر عن مكتبه أنه بحث معهم «المستجدات السياسية والأمنية»، مشدّداً على «ضرورة تقديم الدعم لتشكيلات الحشد المختلفة». وتشير مصادر مقرّبة من المالكي إلى أن قادة «الحشد» شكروا مضيفهم، وطالبوه بالدعم المادي، «لأن الطرق باتت مسدودة أمامهم»، فردّ بأنه «سيدعم الحشد سياسياً وبرلمانياً».
وفي سياق اللقاء، جرى الحديث عن الانتخابات النيابية المرتقبة في شهر نيسان 2018، إذ ينقل المصدر أن أحد قادة «الحشد» سأل المالكي حول مشاركتهم إلى جانب «دولة القانون»، فأجابه بضرورة «حسم الخيار والاصطفاف السياسي». وقد سأله أحدٌ آخر «إذا أردنا أن ندخل العملية السياسية؟»، فأجابه المالكي «لا مشكلة لدينا بالتحالف مع الحشد، ولكن حدّدوا خياراتكم».
لكن، مصادر واسعة الاطلاع على توجهات «الحشد» تؤكّد أن «البوصلة غير واضحة إلى الآن»، خصوصاً أن العبادي والصدر والمالكي يسعون بشكلٍ مستمر إلى استمالة «الحشد» نحوهم، وقد «حاول العبادي من دعوة قادة الحشد إلى تجيير اللقاء، والاستفادة منه سياسياً، غير أن الوفد كان متيقّظاً لذلك، فعمد إلى إعداد جدول زيارات متزامنة، ولا توضع في أيّ إطار سياسي».