في أواخر شهر كانون الأول عام 1522 قامت مجموعة من «العبيد» المسلمين في جزيرة هسبنيولا التي كانت خاضعة لحكم ابن كرستوفر كولومبس، بالهجوم على الحراس وقتل عدد منهم وتمكنوا من تحرير عدد من رفاقهم في المصير.
مع أن السلطات الإسبانية تمكنت وقتها من القضاء على تلك الانتفاضة بسرعة، إلا أن عواقبها ماثلت ما تقوم به إدارة الرئيس الأميركي ترامب تجاه المهاجرين المسلمين. وللعلم، فتلك كانت أول «ثورة عبيد» تندلع في أميركا.
العواقب التشريعية الأخرى التي تلت تلك «الثورة» إصدار ملك إسبانيا كارلوس الخامس قانوناً أو إرادة ملكية سامية، كما يقال اليوم، تحظر نقل أي عبيد مسلمين أو يشك حتى في كونهم تلقوا تعاليم إسلامية، أي أن التشريع ألقى اللوم على فكر الثوار ودينهم كمسبب للانتفاضة، وليس ردة فعل على أوضاعهم البائسة.
تلى ذلك منع السلطات الإسبانية «الكفار» كافة من دخول المستعمرة أميركا التي كانت تقع تحت سيطرتهم. «الكفار» بنظر المشرّع الإسباني كانوا المسلمين واليهود والبروتستنت. كما وضعت ضوابط لكشف جذور كل مهاجر إلى العالم الجديد إذ كان على كل فرد ليس فقط إثبات كونه كاثولوكياً بل أيضاً عليه البرهنة على أنه ليس ثمة من نقطة دم من تلك الفئات الثلاث تجري في عروق أجداد أجداده أو أجدادها. المسلمون، في نظر السلطات الإسبانية الاستعمارية شكلوا «خطراً أمنياً» على القارة الأميركية ووجب مواجهته والقضاء عليه، وأعقبت قراراتها العنصرية تلك بمنع تواجد أي «عبد» مسلم في الأراضي الأميركية التي كانت خاضعة لسيطرتها.
المغامرون الإسبان لم يكترثوا بقرارات الملك والسلطات واستمروا في نقل «العبيد» المسلمين من غربي إفريقيا لأنهم كانوا أكثر تعليماً ومهارة في المهن، وسعرهم كان، بالتالي، أعلى من غيرهم من «العبيد» غير المسلمين. فعلى سبيل المثال، شكّل المسلمون نصف عدد «العبيد» الذين نقلوا على نحو غير قانوني إلى البلاد المسماة حالياً كولومبيا.
يضاف إلى ذلك أن «سير» فرنسس دريك الذي كان أول إنغليزي حاول تأسيس مستعمرة بريطانية في العالم الجديد، اصطحب «عبيداً مسلمين» من الأفارقة والمغاربة من المستوطنات الإسبانية الأميركية إلى بلاده. الملكة الإنغليزية إليزابيت الأولى، التي عرفت بأنها أول ملكة «مسيحية» تستعين بالعثمانيين المسلمين لمقاومة حصار بابا روما الاقتصادي ومحاولات فرض هيمنته عليها وعلى بلادها، ما عُدّ وقتها أقصى درجات الكفر، وجلب لها لعنات وإدانات «قدسية» كنسية لا أول لها ولا آخر (بالمناسبة، فرنسة أيضاً استعانت بالعثمانيين وقواتهم لمحاربة جارتها اللدود الكاثوليكية، إسبانيا).
على أي حال، الملكة الإنغليزية، التي كانت بلادها تعاني حصاراً اقتصادياً حاداً فرضه الحبر الأعظم عليها بسبب سياساتها المستقلة عنه، أرسلت مئة من «العبيد العرب المسلمين» من شمالي إفريقيا إلى السلطان في إسطنبول كبادرة حسن نية تجاه تطلعها لإقامة علاقات اقتصادية مع الإمبراطورية العثمانية، وهو ما حصل فعلاً.
وفي عام 1619 أصدرت سلطات مستعمرة فرجينية الإسبانية في أميركا أمراً بتعميد كافة العبيد، بمن فيهم الإفريقيين من غير المسلمين. وفي عام 1682 أمرت سلطات تلك المستعمرة باستعباد كل سكانها من غير الكاثوليك.
لكن منع المسلمين من دخول المستعمرة الأميركية لم يوقف ثورات «العبيد» هناك. فثورة «العبيد» في هاييتي في القرن التاسع عشر أطلقها مسيحيون. وتمرد نات ترنر عام 1831 في مستعمرة فرجينية الأميركية اندلع بسبب إعلانه تسلمه أمراً إلهياً من المسيح شخصياً، بمحاربة الشرور!
هذه وغيرها من الحقائق المسكوت عنها في تاريخ المستعمِر الأوروبي توضح أن أسباب انتفاضات البشر ليس دياناتهم وإنما الظلم الواقع عليهم. لذا فإن قرار الرئيس الأميركي الجديد لا أساس له سوى انطلاقه من الأيديولوجيا بدلاً من مواجهة الحقائق التي تقول إن إدارة الرئيس كارتر هي من خلقت القاعدة وتيار «الجهاد الناتوي» لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. والحقائق تقول أيضاً إن سياسات إدارة بوش الإجرامية بحق المنطقة وغزوها العراق هي التي أججت التيارات المذهبية المتطرفة في المنطقة، وأن إدارة سياسات أوباما المماثلة لسابقتها هي التي خلقت الدواعش في ليبيا وهي التي تقودهم وتمولهم وتضع إمكاناتها بتصرفهم، وهي من نقلتهم من بعد إلى العراق وسهلت انتقالهم إلى سورية، انسجاماً مع سياستها الهادفة إلى تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة بهدف مواجهة «الإسلام الشيعي» المعادي لها، ما يسهل من تقسيمها، بعد تدميرها، ومن ثم الهيمنة على سوراقيا، التي تعدها جزءاً من العالم «المسيحي» الغربي، وليس الشرقي الأرثوذكسي، وأرض التوراة ومهد المسيحية، وأن العرب المسلمين دخلاء وغزاة وجب طردهم وإعادتهم إلى صحاريهم، وهو ما كنا حذرنا منه كتابياً وفي أكثر من منبر، قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
هذا لا يعني إطلاقاً أننا نوافر مسوغاً لنمو التنظيمات الإرهابية التكفيرية وإنما القول: إن التاريخ يعلمنا أن عدوان الغرب الاستعماري هو سبب كثير من الحرائق في بلادنا، ووجب بالتالي التصدي للاستعمار وأدواته الإرهابية التي خلقها ويدعمها إلى يومنا هذا.