من هم الذين يحبّون عازف البيانو الصيني لانغ لانغ (1982 ــ الصورة)؟ جمهور الموسيقى الكلاسيكية الهاوي وشركات الإنتاج الكبيرة. من هم الذين لا يحبّونه؟ الجمهور الجدّي، النقّاد المخضرمون وزملاؤه الذين يعملون لأجل الموسيقى لا لأجل النجومية. إنّه عازف فائق البراعة تقنياً، لكنّه يبالغ في إظهارها والاتّكال عليها لرسم صورته التسويقية وتحقيق المال والشهرة. مناسبة الحديث عنه اليوم هو خبر فسخ عقده مع شركة «سوني» وانضمامه (أو بالأحرى عودته) إلى عائلة الناشر الألماني العريق «دويتشيه غراموفون».
تخرِّج الصين عازفي بيانو كلاسيكي مكتملين بالآلاف سنوياً، منذ أن قرّرت «الاستثمار» في سياسة تعليمية موسيقية مع بداية صعودها الاقتصادي السريع في العقود الأخيرة. من بين هؤلاء، برزت بضعة أسماء على رأسهم يوندي لي (1982) الذي فاز بالمرتبة الأولى في «مسابقة شوبان» عام 2000، والنجمة الصاعدة يوجا وانغ (1987)، وطبعاً لانغ لانغ المقيم في أميركا الذي يعرف من أين تؤكَل الكتف في عالم الموسيقى الكلاسيكية في العصر الحديث (حيث الكلمة الفصل للصورة أو للصوت والصورة، لكن قطعاً ليس للصوت). انطلقت مسيرة لانغ في عالم الشهرة منذ توقيعه عقداً مع «دويتشيه غراموفون» عام 2003، بعد مرحلة قصيرة قضاها تحت جناح الناشر المغمور والمحترم «تيلارك» (أسطوانتان) مطلع الألفية.
عام 2010، وعلى طريقة لعبة الأندية في كرة القدم، انتقل إلى «سوني» بعقدٍ بلغ ثلاثة ملايين دولار أميركي. تسجيلاته الأولى عند «دويتشيه غراموفون» لاقت استحسان النقّاد النسبي. سمعنا من أدائه أعمالاً لتشايكوفسكي ورخمانينوف وشوبان وبيتهوفن وموزار ولِيسْت وغيرهم، إضافة إلى التفاته نحو أعمال تراثية صينية قدّمها في وثائقي بعنوان «أغاني التنّين». مع انتقاله إلى «سوني»، خفت نجمه، إذ راح مستواه الموسيقي ــ بعكس مستواه التقني ــ يتراجع. معظم ما قدّمه (حفلات حية في باريس، لندن، فيينا،… وتسجيلات استوديو) قوبِل بفتور قاتل، رغم حفلاته الناجحة في جميع أنحاء العالم (ومن بينها لبنان ــ «مهرجانات بيبلوس»). زميله يوندي لي، تابع مسيرته بجدية أكثر. لم يُوَفَّق دائماً، لكنه اعتمد العمل المنهجي (وبالأخص ريبرتوار شوبان)، محققاً باقة محترمة من أسطوانات فيها الحدّ الأدنى من الاتّساق الذي يطلبه جامعو التسجيلات الكلاسيكية الجدّيون. اتهم لانغ لانغ شركة «سوني» بفشلها في وضع سياسة تسويقية شاملة أساءت إلى صورته حول العالم، بينما تجد الأخيرة بأنّ العازف الصيني لم يحقّق أرقام المبيعات المرجوّة. لكن الإعلان عن عودة لانغ إلى حضن «دويتشيه غراموفون» (أوّل من أمس)، ترافق مع توقّعات بأن الناشر الكبير سيضبط «إيقاع» النجم الصيني، إذ يتضّح ذلك من خطة العمل المرتقبة في الأسابيع القادمة: ألبوم أكاديمي إلى حدّ ما في البداية بعنوان The Piano Book، يليه مباشرةً تسجيل يتطلّب جدية قصوى في العمل وتفانياً للموسيقى والفنّ ونبذاً للنجومية والشهرة: «تنويعات غولدبرغ» لباخ!