الجزائر | يحظى زعيم «حركة النهضة» التونسية راشد الغنوشي بتقدير كبير من قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي يحرص على لقائه دورياً، إلى الدرجة التي بدأت معها تطرح التساؤلات حول المغزى من تكرار زياراته للعاصمة الجزائرية.
وبعد نحو أسبوع من استقبال زعيم حركة النهضة التونسية في منزله في العاصمة التونسية لمدير ديوان الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى، التقى قبل أيام بعبد الرزاق مقري، وهو رئيس «حركة مجتمع السلم ــ حمس» المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر والناشطة في إطار «هيئة التشاور والمتابعة» (أبرز تكتل معارض في الجزائر)، ما أعطى الانطباع بأن هذه الزيارة، مثل سابقاتها، تدخل في إطار الوساطات المكثفة التي تقترحها الجزائر لإيجاد مخرج للأزمة الليبية.
غير أن تأويلات أخرى رافقت الزيارة بسبب تزامنها مع استعداد الأحزاب الإسلامية في الجزائر لخوض غمار الانتخابات التشريعية المقررة في أيار/مايو المقبل، ومجيئها بعد لقاءات متكررة أجراها زعيم «حركة النهضة» مع المسؤولين الجزائريين، أبرزهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. هذا السياق الخاص طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة اللقاء وما إذا كان له علاقة بنقل رسائل معينة بين السلطة الجزائرية وأحزاب المعارضة، خاصة أن قنوات التواصل بين الطرفين صارت محدودة للغاية في السنتين الأخيرتين، بسبب اعتقاد السلطة في الجزائر أن المعارضة باتت تحمل خطاباً راديكالياً غير مقبول، في حين تنتقد المعارضة ممارسات السلطة واستفرادها بالرأي وغلق كافة قنوات الحوار معها.
وما قد يعزز هذا الطرح هو مسارات الوحدة التي أعلنت عنها الأحزاب الإسلامية في الجزائر قبيل الانتخابات؛ فقد اندمجت «حركة مجتمع السلم» مع «جبهة التغيير»، وتحالفت أيضاً حركات «العدالة والتنمية» و«النهضة» و«البناء» في إطار تكتل انتخابي أطلق عليه «الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء». وجاءت هذه التكتلات، خاصة بين «حمس» و«التغيير» بعد مسار تفاوضي طويل، ساهمت فيه وساطات من الخارج، أبرزها وساطة الشيخ راشد الغنوشي الذي يعدّ من أصدقاء الراحل محفوظ نحناح، مؤسس «حمس»، المحسوبة فكرياً على تيار «الإخوان المسلمين»، والتي انقسمت بعد وفاته وخرج من رحمها عدة أحزاب، أبرزها «جبهة التغيير».

هناك رأي يقول
إنّ الزيارات المتكررة تدخل في إطار القضية الليبية


وتشير قراءات سياسية إلى أن السلطة في الجزائر تنتابها مخاوف من أن تسهم هذه التكتلات الإسلامية في إعادة الاستقطاب الأيديولوجي إلى البلاد، خصوصاً أن الجزائر لا تزال ذاكرتها حية بخصوص الأزمة السياسية والأمنية الخانقة التي شهدتها في سنوات التسعينيات وبداية الألفين، وانتهت بمسار مصالحة وطنية أنهى حالة العنف في البلاد. ويكون الرهان على الغنوشي في هذه الحالة، بما يمتلكه من ثقل وتأثير على الحركة الإسلامية في الجزائر، للمساعدة في أن لا ينحرف خطاب المعارضة (خاصة الإسلامية منها) إلى الراديكالية.
بعض هذه التحليلات، رغم أنها تنطلق من مؤشرات واقعية، فإنّ «حمس» تتحفظ عليها، وهي تتوجس دائماً من محاولة ربطها بحركات أو تنظيمات في الخارج، وتؤكد أنها «حزب وطني له علاقة بأحزاب وشخصيات في العالم في إطار سيادة مواقفه واستقلاليتها». وكانت تحرص أيضاً في الماضي على نفي أي ارتباط بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وتشير فقط إلى أن هذا الارتباط، إن وُجد، فهو «فكري فقط، ولا علاقة له بالشأن الداخلي الجزائري».
ويقول عضو المكتب الوطني في «حمس» ناصر حمدادوش، في تصريح إلى «الأخبار»، إنّ «راشد الغنوشي ليس له علاقة بالقضايا التنظيمية الداخلية للحركة الإسلامية في الجزائر، (لكن) الأكيد أنه يباركها ويتمنى لها أن تنجح لمصلحة الطبقة السياسية والبلاد». ويضيف بخصوص لقاءات الغنوشي بالرئيس بوتفليقة واحتمال نقل بعض الرسائل منه: «لا توجد رسائل متبادلة بين الحركة والسلطة، والحركة لا تحتاج إلى وساطات في ذلك، بل هي منفتحة على كل مكونات الحياة السياسية في البلاد، وعندما تكون لنا أجندات معينة وفق رؤيتنا وبرنامجنا السياسي فإننا نأتي البيوت من أبوابها، وليست لنا العقدة في أن نلتقي بمن نشاء».
أما عن أسباب زيارة مقري إلى تونس، فيرى حمدادوش أنها «تأتي ضمن اللقاءات المتعددة العادية، فلنا بروتوكول تعاون بين حركة مجتمع السلم وحركة النهضة، وهو لقاء جاء في سياق النشاطات الدولية لرئيس الحركة في إطار منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة باعتباره الأمين العام له، في محاولة لاستضافة المؤتمر السنوي الدوري للمنتدى السنة المقبلة في تونس»، مستدركاً بأنّ «ذلك لا يمنع من التعاون والتنسيق في القضايا الدولية والإقليمية التي تهمّ البلدين، وتوظيف علاقاتنا الخارجية في ذلك، على اعتبار أن الملف الليبي يمثل عمقاً استراتيجياً لنا جميعاً».