"عندها، ستؤلمك عظامك، مفاصلك، كلّ جسمك، ستشعر بأنّ الألم وصل إلى شعر رأسك... حتى الدمعة ستؤلمك". بهذه الكلمات يصف حاله عندما يَمتنع عن تناول جرعة المخدّرات. ثمّة شاعر داخل علي. إنّه مدمن. ما عاد يَخجل قولها.
"لم أخجل بها سابقاً، أنا ضحيّة، فهل أخجل بها الآن وأنا أريد العلاج؟ لقد كرهت نفسي". كاد يبكي، لكنّه لم يفعل، كتمها. لدى ابن الـ 24 عاماً الكثير مِن الكبرياء. يذهب إلى درج خزانته، في الغرفة الثانية، ليعود وبيده علبة دواء. اسمه "بيبرونورفين". إنّه "علاج بديل" شاع تداوله في خلال السنوات الأخيرة في لبنان. منذ نحو ستّة أشهر، يُحاول علي الاكتفاء به، مِن غير جدوى، لذا "أعود كلّ مدّة إلى الحرق". يتحدّث عن حرق "الكوكايين". لا يزال الشاب يعمل، لكنّ راتبه، الضئيل أصلاً، ما عاد يكفي ثمن ما يتعاطاه. يقول: "أنا معيل لأهلي، كانوا يعتمدون على مساهمتي، الآن أدفع كلّ شيء على نفسي. هذا يقتلني نفسيّاً. لم أكن أعرف أنّ الأمر سيصل بي إلى هنا. أحتاج أن يُساعدني أحد". لا يَطلب علي اليوم إلا المساعدة مِن إحدى الجمعيات "الصادقة". إنّه جاهز للدخول في برنامج معالجة. هو مَن بحث عمّن يوصل صوته. لقد قطع بذلك المسافة اللازمة لبدء العلاج. نبَع القرار مِن داخله. هذه الخطوة الأهم. سابقاً قصد إحدى الجمعيّات، المشهورة في مجال مساعدة المدمنين، إعلاميّاً، لكن "خاب ظني". راحوا يعطونه الموعد تلو الموعد. عد إلينا بعد أسبوعين. عد بعد شهر.

«لم أكن أعرف أنّ الأمر سيصل بي إلى هنا. أحتاج أن يُساعدني أحد»
وهكذا، ملّ مِنهم. يقول: "ربّما هذه قدرتهم. لا أعلم. ولكن أين أذهب؟ مَن أقصد؟ تلك الجمعيّة نصحتني بالدواء الذي آخذه اليوم، لكنّه لا ينفع، أحتاج شيئاً آخر، لا أعلم". في الواقع، الدواء الذي يأخذه عبارة عن مركّب أفيوني - كيميائي، مشابه لمادة "الهيرويين". إنّه، بحسب دراسات طبيّة، عبارة عن علاج بالسمّ من السمّ. يُحاول علي، عندما تشتد النوبة، أن يتهرّب مِن "الحرق" ومِن "المخدرات الرسميّة". يلجأ إلى حبوب "ريفوتريل". هذه مفعولها مؤقّت. مدمّرة للجهاز العصبي. موجودة بوفرة في "السوق السوداء". إنّها هروب مِن الموت إلى الموت. تختلف الأسماء، إنّما الموت واحد.
يعيش الشاب في منطقة برج البراجنة، في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، حيث نسبة "التعاطي" عالية جدّاً، وحيث لا يوجد أيّ مركز للعلاج فيها. هناك مراكز قليلة، خارجها، لكن عدد الأسرّة فيها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. إنّها جمعيّات خاصة في النهاية. ماذا عن المراكز الحكوميّة؟ ذات مرّة، قبل سنوات، حُكي عن قسم لعلاج المدمنين في المستشفى الحكومي - بيروت. جُهّز المركز، لكنّه لا يَعمل، لا يَستقبل أحداً. نحن أمام واقع يقول إنّنا في بلاد لا يجد فيها مَن يُريد العلاج مكاناً. برامج العلاج مُكلفة ماليّاً. يُحكى عن جمعيّة تستقبل مَن لديه القدرة على الدفع. عودة إلى الطبقيّة. المدمن الغني قادر على الدفع، فيما الفقير في مكان آخر، هو أصلاً يضطر، أحياناً، إلى سرقة مدخرات عائلته لبيعها وشراء المخدّرات. المسؤولون في بلادنا، مِن الكبار والصغار على حدّ سواء، رفعوا صوتهم على مدى السنوات الماضيّة ضدّ المخدرات. كيف تُرجِم هذا؟ هل أصبح لدينا مراكز علاج تُغطي الحاجة؟ لا شيء. الكلام مجّاني. مَن يدفع الفاتورة الصحيّة للمدمنين في النهاية؟ أليست خزينة الدولة؟ لماذا لا يكون الدفع مسبقاً؟ أسئلة بلهاء طبعاً. سيُقال إنّها "المؤامرة" العالميّة على مجتمعنا. ما الذي أُنجِز لمواجهة "المؤامرة"؟ لا شيء. ما عاد ممكناً مواراة "العفن" الداخلي بحديث "المؤامرة". لافتات التخويف مِن المخدرات، التي تنتشر كلّ مدّة في الشوارع، لا تنفع. لقد جُرّب هذا سابقاً. إنّها مثل لافتات التخويف مِن مضار التدخين، المُستهلكة، لا تزيد المدخنين إلا تدخيناً. لبنان مِن الدول التي لديها أعلى نسب إدمان. ليت الجميع يقتدي بإيران في هذه المسألة. إنّها، بشهادة دوليّة، مِن أنجح الدول في برامج المعالجة واحتضان المدمنين. نسبة الإدمان هناك عالية، صحيح، لكنهم وصلوا إلى وضع برامج متقدّمة في "احتضان" المدمنين. في المقابل، كان القانون قاسيّاً جداً على "التجّار". الأوّل ضحيّة، فيما الثاني مُجرم. لقد وصلوا إلى هذه الخلاصة. أنقذوا حياة الكثير مِن شبّانهم.
علي لا يزال يَنتظر مَن يُعالجه. لا يُمكن أن يخرج مدمن مِنها بنفسه. هذه صارت ثابتة. يقول: "كلّ يوم أنظر إلى شباب في الشارع، أقول نيّالهم طبيعيين. ليش؟ أنا فيني كون طبيعي مثلهم. بس تعبت، لحالي لحالي لحالي. حابب ارجع طبيعي. بلا الدوا، بلا شيء، بلا سم". جائزة لمن يُساعد علي. إنّه يذوي، يذبل، يَكاد يَنتهي، لكنّه ما زال هناك... يَنتظر.