دمشق | بعدما تجاوزت أيام عطش العاصمة السورية شهراً، أعلن وصول الجنود السوريين إلى منشأة عين الفيجة في وادي بردى غربي دمشق، ليعود النبع إلى سيطرة الحكومة السورية. أيام قاسية عانى خلالها سكان دمشق من مرحلة متردية من الاستغلال وسوء الخدمات، في ظل الاعتماد على الآبار التي تغذي 30% من حاجة أهالي العاصمة، بعدما خرج نبع الفيجة عن الخدمة، بفعل المعارك المشتعلة إلى الجوار منه.
المسلحون الذين قالوا كلمتهم خلال الأيام الطويلة الفائتة، وتمكنوا من فرض واقع بشع على حياة السوريين من أهالي دمشق، انتهى بهم المآل، مثل سواهم، إلى الحافلات المتجهة شمالاً، مخلفين وراءهم الجنود السوريين يتبادلون التقاط الصور التذكارية، متباهين باسترداد الأمانة المائية إلى أهلها. «لن تعطش دمشق بعد الآن»، قال مسؤولون عديدون، بعد كل اتفاق مبدئي لم يستكمل، حتى امتنع الناس عن تصديق كل ما يتم تداوله عن أخبار النبع. في حين بات طريق الربوة، الغارق في مياه بردى، بعدما طاف منسوب النهر، الشهر الفائت بفعل فيضان نبع الفيجة، مؤشر أسى على مياه الفيجة المهدورة. أما العسكريون، فقد امتنعوا عن الحديث إلى أن استطاعوا أن يعيدوا النبع الغزير إلى دوره الحيوي في حياة المواطنين، ما يؤذن باستعادة الحياة الطبيعية إلى شوارع لا سيارات صهاريج تتوقف أمام مبانيها. مرحلة ولّت ولا شك، بحسب المصادر الميدانية، مكلّفة عدداً من الشهداء وجهداً كبيراً من العسكريين في المنطقة، بهدف فرض شروط الدولة السورية على مسلحي وادي بردى، للقبول بالتسوية والرحيل عن مواقعهم المتحكمة بأمن دمشق المائي. حرقُ المسلحين المنازل والمحال التجارية في قرية عين الفيجة، كان مؤشراً مستمراً على اقتراب خروجهم، وعجزهم عن احتمال الحصار المفروض عليهم ضمن طبيعة وعرة، أمّنت لهم حصناً منيعاً، لمدة تجاوزت الشهر. وخلال الأيام الأخيرة، بحسب المصادر، فإن الجيش استقدم نخبة من مقاتليه من حيّ جوبر إلى منطقة عين الفيجة. «ضرورات المرحلة حتّمت علينا ذلك، بعد رفض المسلحين مسارات التسوية»، تقول المصادر. وتضيف إن «الحشد العددي وتأمين العتاد اللازم ساهما في التأثير على معنويات المسلحين، ما أدى إلى تراجع التكتيك والمناورات القتالية لديهم ووقوعهم في حصار الجيش، بعدما تجرأوا على التحصن أخيراً في حرم النبع، مطمئنين إلى صمت المدفعية عن قصفهم خشية على منشأة النبع الحيوي». وهذا بالفعل ما اختبره الدمشقيون، إذ خفت صوت المدفعية عن قصف مناطق في وادي بردى، بانتظار تسوية ما، إثر تمركز المسلحين وبعض عوائلهم، داخل حرم النبع. وحدها قوات الاقتحام تمكنت من إنهاك قوى المسلحين بعد استنزافهم طوال يومين من القتال المتواصل، لتخاطبهم القيادات الميدانية عبر مكبرات الصوت، بوجوب الرضوخ لشروط الجيش في التسوية السياسية. وسرعان ما أتى رد المسلحين بالاستسلام، لتبدأ الحكومة السورية برفع جاهزية وزاراتها المعنية وكوادرها إلى درجاتها القصوى، تزامناً مع انسحاب المسلحين نحو الأبنية الواقعة إلى الجنوب من نبع الفيجة ودخول القوات السورية إلى حرم النبع ورفع العلم السوري داخله. الحكومة أعلنت إتمام التجهيزات، بدءاً من تحضير حافلات نقل المسلحين، وصولاً إلى بدء دخول ورش صيانة النبع إلى مدخل دير قانون الجنوبي، وذلك بحضور عدد من المسؤولين الحكوميين ولجان المصالحة وبعض الخبراء الروس للوقوف على اتفاقية نقل المسلحين وحصر أعدادهم بدقة. بدورها، وحدات الهندسة فككت أكثر من 100 عبوة ناسفة وألغاماً مضادة للأفراد، زرعها المسلحون داخل المنشأة المائية. وخلال ساعات النهار من يوم أمس، خرجت من وادي بردى 20 حافلة تقل ما يقارب 800 شخصاً من المسلحين وعائلاتهم، باتجاه الشمال السوري، حيث مضى من سبقهم من مسلحي المناطق الأخرى إلى مدينة إدلب. ومن المتوقع إتمام ترحيل الأعداد الباقية من المسلحين خلال الأيام القادمة. وكانت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة قد أصدرت بياناً حول الإنجاز العسكري الجديد في وادي بردى، معلنة إعادة الأمن والاستقرار إلى بلدات المنطقة. واعتبر البيان أن العمليات العسكرية ساهمت في تهيئة الظروف الملائمة لإنجاز تسويات ومصالحات في عدد من هذه القرى والبلدات، ما أدى إلى تحرير مساحة إجمالية بحدود 400 كلم مربع.