"يحاولون جعلي مثلاً، فيقولون: يمكننا توقيفك وسجنك. إن رفعت صوتك سنُسكتُك". هذه كلمات أحد المتظاهرين الـ 14 الذين سيمثلون أمام المحكمة العسكرية في 30 كانون الثاني. اعتُقل المتظاهرون أثناء احتجاجات في تشرين الأول 2015 ضد الحكومة اللبنانية لعدم توصلها إلى حل أزمة النفايات المتراكمة. سيعاقبون بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات في حال إدانتهم.
في لبنان، يحاكم المدنيون بشكل روتيني أمام القضاء العسكري، حيث لا تحترم حقوقهم في إجراءات التقاضي، في انتهاك للقانون الدولي. فالقضية لا تتعلق فقط بالمتهمين بجرائم خطيرة مثل الإرهاب أو التجسس، بل أي مشادة مع عنصر في الجيش أو قوى الأمن، مثل حادث سيارة، قد يعرضك للمحاكمة أمام القضاء العسكري.
قالت "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير لها، إن الأشخاص الذين مثلوا في محاكمة أمام القضاء العسكري يصفون سلسلة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ومخاوف حول إجراءات التقاضي، إلى جانب سوء المعاملة والتعذيب، العزل عن العالم الخارجي، استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، الأحكام الصادرة دون تبرير أو التي يبدو أنها تعسفية، والإمكانية المحدودة للاستئناف.
لا تتوفر معلومات علنية حول عدد المدنيين الماثلين أمام القضاء العسكري سنوياً. لكن وفق جمعية "الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان"، حوكم 355 طفلاً أمام القضاء العسكري في 2016، وهو رقم يثير الصدمة. يجب ألا يحاكم المدنيون، والأطفال على وجه الخصوص، أمام القضاء العسكري تحت أي ظروف.
تقوض بنية هذه المحاكم بحد ذاتها الحق بالمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة، والحق في محاكمة علنية. نظام المحاكم العسكرية هو نظام قضائي منفصل يخضع لإشراف وزارة الدفاع. والعديد من القضاة هم ضباط عسكريون، لا يشترط أن يكون لديهم خلفية قانونية ويصدرون القرارات دون رأي خطي. رغم أن معظم الجلسات علنية في المبدأ، لكن الدخول إلى المحكمة مقيّد جداً كونها تقع ضمن منطقة عسكرية. يسمح فقط بدخول منظمات حقوق الإنسان والصحافيين بعد حصولهم على إذن مسبق من المحكمة، ما يحول إلى حد كبير دون مراقبة المحاكمة.
الأشخاص الذين تحتجزهم العناصر الأمنية والذين يواجهون المحاكمة أمام القضاء العسكري هم أكثر عرضة للتعذيب. أفاد معتقلون سابقون، منهم أطفال، عن تعرضهم للضرب، التعذيب النفسي، الصعق بالصدمات الكهربائية، تعليقهم مقيدين بالمعصمين خلف ظهورهم، وإرغامهم على توقيع إفادات وهم معصوبو الأعين. قالت إحدى الأمهات: "صرخت من تحت الأرض عندما رأيته... لم أصدق أن هذا ابني. لا يمكنك وصف المشهد. كان وجهه ملطخاً بالدم ومتورّماً ومزرقّاً".
أعرب المتهمون والمحامون ومنظمات حقوقية لبنانية أيضاً عن قلقهم من استغلال مسؤولين في وزارة الدفاع أو الجيش اللبناني الصلاحيات القضائية الواسعة لدى المحاكم العسكرية كأداة للترهيب أو للانتقام من الخطاب أو النشاط السياسيَّين. في السنوات الأخيرة، وجهت النيابة العسكرية اتهامات ضد محامين وصحافيين وناشطين حقوقيين بارزين. دان القضاء العسكري في آب الماضي امرأة بتهمة "الإساءة إلى المؤسسة العسكرية" رداً على تصريحها لصحفية حول تعرضها للاغتصاب والتعذيب في الحجز العسكري.
القضية ضد المتظاهرين هي الحلقة الأحدث في هذه السلسلة. لكن في المقام الأول، يجب ألا يمثل أي من هؤلاء الأشخاص للمحاكمة أمام القضاء العسكري. ببساطة، لا يوجد سبب لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية مع وجود محاكم مدنية فاعلة في لبنان.
حتى أولئك المشتبه بارتكابهم جرائم خطيرة مثل الإرهاب، مكانهم ليس المحاكم العسكرية. إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية استناداً إلى طبيعة التهم تخضعهم لنظام يمسّ بحقوقهم ويقوّض العدالة. ينبغي محاكمتهم في المحاكم المدنية حيث الفرصة العادلة لعرض قضيتهم، كما يقتضي القانون الدولي.
على السلطات اللبنانية أن تستبعد المدنيين وخاصة الأطفال من اختصاص المحاكم العسكرية، وتحث القضاة على رفض كل الاعترافات والأدلة التي تنتزع تحت التعذيب. أقل ما يمكن أن تفعله السلطات هو أن تفتح هذه المحاكم أمام المراقبة العامة.
إذا كانت السلطات مطمئنة لما يجري خلف الأبواب المغلقة، فلن يكون لديها ما تخفيه. لكن إذا كانت المحاكم العسكرية، كما وجدنا، تنتهك حق المدنيين في المحاكمة العادلة، فمن حق الجمهور معرفة ما يجري. في آخر المطاف، قد يمثل أي شخص في لبنان أمام المحكمة العسكرية.
* نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش ومقرها بيروت
لمتابعتها على تويتر @lamamfakih