لم يشهد لبنان منذ 7 أعوام، وتحديداً منذ إفتتاح فندق «فور سيزنز»، حدثاً سياحياً وفندقياً بهذه الضخامة. فقد بلغ حجم الاستثمار في فندق ومنتجع «كمبينسكي سمرلاند ــــ بيروت» أكثر من نصف مليار دولار، ما يؤشر إلى أن الإنطلاقة ليست مجرد رعشة نوستالجيا لن يلبث أن يخفت وهجها، بل «لتبوؤ صدارة القطاع الفندقي في لبنان» بحسب مديرة التسويق والمبيعات في الفندق مهى بوراشي.
فندق الاوقات الصعبة

في وقت كانت الحرب الأهلية مستعرة، وكانت «حرب الفنادق» تقضي على ما تبقى من أمل في القطاع، إفتتح رجا صعب عام 1978 فندق «سمرلاند» الذي شكّل متنفساً للكثير من سكان بيروت. عند مداخله «تشلح» الحقيقة بكل عبثيتها التدميرية رداءها ليدخل الناس في عالم آخر بعيد عن الواقع الأليم. البعض يدخله مشتاقاً إلى ماضٍ تلاشى والبعض الآخر أملاً بمستقبل أفضل. اليوم، بعد نحو أربعة عقود، يعود «سمرلاند» الذي بدأت عملية إعادة بنائه عام 2009 تحت اسم «كمبينسكي ـــ سمرلاند» ولبنان مستقر فيما المنطقة مشتعلة. فهل اجمل من ضحكة ترسم في بحر من الدموع؟


حضور الماضي

إفتتاح أي مشروع بالمطلق مهمة غير سهلة لا تخلو من المطبات والمخاوف والحذر... فكيف إذا كان المشروع «إعادة إفتتاح» فندق ومنتجع طبع مرحلة مهمة من وجدان اللبنانيين وتاريخ عاصمتهم بكل ما عرفته من أفراح ومآس. لكن يبدو أن قدر هذا المنتجع والفندق العريق ملتصق بـ «الأيام الصعبة»، وكأنه يأبى المنافسة إلا في أشد الظروف ليثبت مكانته عن جدارة.
تدرك إدارة «كمبينسكي ـــ سمرلاند» أنها ستحاسب على كيفية تعاطيها مع إرث الفندق والمنتجع أكثر مما قد تحاسب على خدماتها الراهنة والإضافات الهندسية الإبداعية التي إستحدثت فيه. لم تقو السنين أن تمحو الـ «سمرلاند» من ذاكرة البيارتة. لا يزالون يذكرون التفاصيل وأبسط اللحظات التي عاشوها فيه. هو جزء من ذاكرتهم الجماعية التي صمدت برغم كل التهديم والتغيير الذي عرفته مدينتهم.

بالنسبة للكثيرين، إعادة إفتتاح «كمبينسكي ـــ سمرلاند» أكثر من مجرد إفتتاح فندق. هو إنعاش للذاكرة. صفعة للحاضر. تصبح المسألة شخصية يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي. لكل بيروتي حصة وجدانية في الـ «سمرلاند» يرفض أن يفقدها.
الفندق يشبه بيئته وليس إسقاطاً هندسياً غريباً في محيط لا يمت إليه بصلة. تشير مديرة التسويق والمبيعات في الفندق الى «أننا استخدمنا التراث اللبناني واللمسة الشرقية بشكل واسع أكان في التصاميم أو الهندسة. في البهو، مثلاً، الحافات والفسيفساء من بيبلوس. الثريا مصمّمة خصيصاً للفندق وهي من صنع شركة LASVIT أبرز شركات الكريستال في العالم. في الثريا تماثيل تمثل الانتشار اللبناني. وفي الغرف وضعنا زهورا على الجدران من شجر الارز. نحاول الدمج بين تاريخ سمرلاند العريق والفخامة التي توفرها كمبينسكي». وتوضح أن «كل فندق ومنتجع لكمبينسكي في العالم يختلف عن الاخر كونه يستوحي من البلد الذي هو فيه اكان من حيث التصميم او المضمون. لكل فندق هوية خاصة به».
ما بقي من الـ «سمرلاند» ليس باليسير. حافظ المنتجع في حلته الجديدة على «سقف البهو الخشبي المزركش يدوياً والمصنّع في الشام قبل 400 سنة، ووضع في الجناح الرئاسي الذي يمتد على مساحة 300 متر مربع. كما أعيد الشلال التاريخي الذي اشتهر به الفندق إلى مكانه، إضافة إلى «الزحليقة» المعروفة في مسبح الاطفال».


ضخامة تليق بالتاريخ

يمتدّ الفندق على مساحة 25000 متر مربع ويضم 153 غرفة وجناحاً مفروشة بأناقة، إضافة إلى ستة «بنغالوهات» خاصة تُطلّ على البحر. المنافسة لن تكون سهلة في ظل وجود عدد كبير من الفنادق العريقة في لبنان وخاصة في بيروت. لا تغيب هذه الحقيقة عن بال القيمين على «كمبينسكي ـــ سمرلاند» وهي تشكل «محفزاً إضافياً لنا لبذل الغالي والنفيس في سبيل إنجاح الإنطلاقة وإعادة الأمجاد إلى الفندق في أسرع وقت». وتؤكد بوراشي «أننا قادرون اكثر من غيرنا على منح الزوار تجربة خاصة مقارنة بالفنادق الفاخرة داخل بيروت التي لا تتمتع بالمساحة التي يتمتع بها «كمبينسكي ـــ سمرلاند» ولا بعدد المسابح والمطاعم التي يحويها، وبطبيعة الحال موقعه المميز على الشاطئ مباشرة وهو ما تفتقر إليه غالبية الفنادق المنافسة».

يضم الفندق أربعة مسابح من بينها مسبح ساخن، وسبعة مطاعم تقدم تشكيلة متنوعة من المأكولات لمختلف الأذواق حيث تتجاور أطباق تقليدية وعصرية من ثقافات وحضارات متعددة. ويتميز المطعم اللبناني بموقعه الاستثنائي في قلب البحر، وكأنه يذكر بعلاقة اللبناني بخوض البحر لنشر الحرف، كيف لا وفي أحد المسابح المنتشرة على مساحة المنتجع يطالعنا تمثال لرجل يغطس في الابجدية الفينيقية، حيث كتب بالحرف الفينيقي اهلا وسهلا بكم في سمرلاند.
لعشاق اللياقة البدنية والعناية بالصحة والاستجمام يقدم Resense Spa على مساحة 1400 متر مربع «أحدث التجهيزات والمعدات الرياضية وعلاجات النادي الصحي بما يؤمن لرواده أقصى درجات المتعة والاسترخاء». وبحكم موقعه، جُهِّز «كمبينسكي ـــ سمرلاند» بمرفأ خاص بالكامل يضمّ 40 مرسى لاستقبال اليخوت وأفخم المراكب.
الفن حاضر وبقوة في أروقة الفندق. لا تكتمل التجربة من دون إشباع روحي وفكري وثقافي للزوار. تقول بوراشي « لدينا أكثر من 100 تحفة فنية في الفندق صمّمها فنانون عرب ولبنانيون وكلها قطع أصلية».

فندق للجميع

أكثر من نصف مليار دولار
حجم الاستثمار في فندق «كمبينسكي سمرلاند بيروت»

يقع الفندق على الواجهة البحرية للساحل الجنوبي لبيروت على تماس بين منطقة الأوزاعي والجناح وفردان حيث العديد من السفارات والمولات والعائلات الميسورة. في خضم هذا التنوع الطبقي المتلاصق يحاول «كمبينسكي ـــ سمرلاند» أن يبقى وفياً لمحيطه بكل تشكيلاته وتنوعاته ولو بالحد الأدنى.
الاضطرابات التي يشهدها الإقليم دفعت إدارة الفندق إلى التركيز على الزبون اللبناني من دون إغفال الدور الحيوي للسياح والمغتربين. بناءً عليه، يهدف الفندق وفقاً لبوراشي إلى «منح الزائر اللبناني فرصة الشعور وكأنه خرج من بيروت او حتى سافر، لا أن تكون مجرد اقامة فندقية عادية وبأسعار واقعية تأخذ في الإعتبار الواقعين الإقتصادي والإجتماعي في لبنان. لذلك فإن الأسعار سواء في المطاعم أو الغرف تنافسية جداً ومعقولة لنتيح لجميع اللبنانيين مهما اختلفت امكانياتهم المادية وظروفهم الاقتصادية الاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها».
وفي ما يتعلق بالأعراس والحفلات والمناسبات، لا تنكر مديرة التسويق والمبيعات في «كمبينسكي – سمرلاند» أن المقاربة مختلفة حيث «إننا نستهدف فئة محددة نظرا لمميزات قاعة الرقص والساحة الخارجية الملاصقة للشاطئ التي يمكنها احتضان 1000 شخص». وتراهن بوراشي على أن «عام 2017 سيكون عام كمبينسكي – سمرلاند في مجال الأعراس. والمشجع أن عدد الأعراس التي أقيمت حتى الآن في الفندق كبير جدًا وفاق التوقعات رغم أنه إفتتح مؤخراً».
فيما يختص بفصل الشتاء وكون الفندق سيفتقد مميزاته الصيفية من الشاطئ والمسابح (باستثناء المسبح الساخن) فإن «أسعارنا ستكون أرخص من الاسعار في فنادق الخمسة نجوم الأخرى في لبنان» على ما تؤكد.
ويستفيد الفندق من قربه من مطار بيروت الدولي ليكون موطئ القدم الاول للسياح ورجال الأعمال ولعقد المؤتمرات والمناسبات الضخمة.
وعن مدى مساهمة اليد العاملة للشابات والشبان اللبنانيين في الفندق، تلفت بوراشي الى أن «لدينا حاليا 200 موظف 99.99% منهم لبنانيون. وظّفنا خريجي جامعات لبنانيين، كما استعنّا بلبنانيين هاجروا ممن لهم خبرة كبيرة في عالم الفنادق».





الماضي يختلط بالحاضر

«كمبينسكي – سمرلاند» تاريخ إنبعث من جديد. للأجيال التي عاصرته تشكل عودته أملاً بأن بيروت التي عرفوها لم تختف بالكامل ولا زالت متشبثة بالحياة. أما للأجيال التي سمعت به في الحكايات فسيشكل الفندق فرصة كي تنتقل في رحلة إلى الماضي وتكتشف بعضاً من جذور وطن تتشعب وتتداخل لتشكل فسيفساء فريدة. في «كمبينسكي – سمرلاند» سيختلط الماضي بالحاضر، تتلاحم آمال الأبناء بذكريات الآباء والأجداد في أروقة وغرف فندق تخبئ كل منها قصة، وتنتظر أن تحتفظ بقصص أخرى.