غزة | تتكرر المفارقات في قطاع غزة الذي حكمه على التوالي العثمانيون فالبريطانيون والإسرائيليون، وكذلك المصريون وحكومات حركتي «فتح» و«حماس»، الأمر الذي خلق إشكالات قانونية كثيرة، خاصة في ما يتعلق بملكية الأراضي. مثلاً، في وسط بيت لاهيا، شمالي القطاع، يقع «الحيّ الأميركي» الذي يسكنه قرابة 2500 نسمة منذ ما يزيد على أربعين سنة، موزعين على 207 بيوت ضمن مساحة تقارب 150 دونماً.
عاش بعض هؤلاء المواطنين، وغالبيتهم من الفقراء، في بيوت من الصفيح، وآخرون بنوا منازل لا ترتفع عن طابقين، ويضم الحيّ مدرسة وعيادة طبيّة وثلاثة مساجد، تمدّها «سلطة الطاقة» بالكهرباء على نفقة السكان. كذلك تقدّم بلدية بيت لاهيا إلى «الأميركي» الخدمات الصحية والخدماتية... إلى أن اكتشفت حكومة «حماس» بعد 40 عاماً على تكوين الحيّ أنّه يقع في «أراض مشاع» (تابعة للحكومة)، ما دفع «سلطة الأراضي»، التابعة لها، إلى إرسال إخطارات إلى السكان لمغادرة بيوتهم، لأن الحكومة تنوي تجريفها.

طلبت الحكومة
من 2500 نسمة
إخلاء حيّ كامل من
دون تعويضات

اللافت أن الهدف من هذا المشروع هو تعويض موظفي حكومة «حماس» الذين لا يقبضون رواتبهم بانتظام منذ نحو سنتين، وذلك بمنحهم أراضي حكومية بدلاً من المال. صدمت البلاغات سكان الحي، فأقاموا خيمة اعتصام في المنطقة للضغط على «سلطة الأراضي» كي تتراجع عن قرارها الذي روّسته على أنه نهائي، وناشدوا المؤسسات الحقوقية والقوى الوطنية والإسلامية التدخل، معلنين رفضهم التخلّي عن بيوتهم التي تربّوا فيها.
وأفاد عدد من السكان بأنهم تسلّموا ثلاثة بلاغات إخلاء، الأخير منها كان في نهاية العام الماضي، ووردت فيه مطالبة بالخروج من بيوتهم، لكنهم يرون في ذلك «ظلماً»، محتجين بأن بيوتهم شيّدت بطريقة منظمة لا عشوائية، خاصة أن البلدية كانت قد وافقت على بنائها.
كذلك يقول بعض قاطني الحيّ إن حلاً طرح عليهم ويقضي بنقلهم إلى منطقة حدوديّة تبعد عن السياج الفاصل مع العدو الإسرائيلي نحو ثلاثمئة متر، إضافة إلى دفعهم ثمن الأرض الجديدة مع تحمّلهم نفقات بناء البيوت من دون الحصول على تعويض حكومي، لكنهم يؤكدون رفضهم هذا المقترح، ولا سيما أنّ الوضع الاقتصادي لغالبيتهم رديء. وتساءل أحدهم، ويدعى أبو أحمد، بالقول: «إذا كانت الحكومة تعوّض موظفيها، فلماذا لا تعوّضنا؟».
وكان آخر الإحصاءات الدولية قد قدّر أن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في القطاع تجاوزت 60%، فيما أشارت إلى أن نسبة البطالة تخطّت حدود 40%.
يُشار إلى أن حكومة «حماس» قد أقرّت عام 2015 قانون توزيع أراضٍ على الموظفين الذين لم يقبضوا مستحقاتهم بسبب الأزمة المالية المستمرة، وبدأت منذ ذلك الوقت توزيع الأراضي، لكن معظمها يقع جنوبي القطاع، خاصة في المناطق التي كان العدو قد انسحب منها عام 2005، والآن شرعت في منح أراضٍ تقع شمالي القطاع، ومن ضمنها «الحيّ الأميركي».
في هذا السياق، دخل بعض الوجهاء وعدد من الحقوقيين و«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» للتوسط، وزاروا الخيمة التي أقامها السكان منذ 25 يوماً وسط الحيّ، كذلك تضامنت معهم قوى وطنية وإسلاميّة سعت بدورها إلى محاولة حلّ المشكلة. وكان من بين «لجنة الفصائل» التي تواصلت مع «سلطة الأراضي» ممثل «حماس» نفسها إسماعيل رضوان، وممثل «الجهاد الإسلامي» خالد البطش، إضافة إلى ممثل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» محمد طومان.
يقول البطش، لـ«الأخبار»، إنّهم يدرسون حلولاً مختلفة، من ضمنها شراء المواطنين أماكن سكنهم الحالية وتسجليها في «الطابو»، أي تمليكها للناس، أو نقلهم إلى مكان مناسب لا يقلّ عن «الحيّ الأميركي» وتعويضهم مالياً بدلاً من بيوتهم السابقة.
في المقابل، قال رئيس «سلطة الأراضي» في غزّة، كامل أبو ماضي، إنّ «الحيّ الأميركي أرض حكومية، وبعض سكان الحي يتاجرون بهذه الأراضي، ومنهم من يضع يده على دونمات ويبيعها»، مشيراً إلى أن «السلطة ستعاقب التجار الذين يستولون على الأراضي، لكنها ستتعامل مع الفقراء بطريقة إيجابية وتسعى إلى تعويضهم».
وأضاف ماضي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هذا هو الحلّ لدينا، لأنّ التجّار هناك يتسترون بالحالات الإنسانية». أما عن الانتباه إلى كون هذه الأرض مشاعاً بعد 40 عاماً، فقال: «لدى سلطة الأراضي مشاريع ومشكلات أخرى، وانتبهنا إلى المنطقة بعد دراسة الأراضي التي تمتلكها الحكومة التي تنوي تعويض الموظفين بها».
ولم يكن قرار إخلاء «الحيّ الأميركي» أوّل إشكالات «سلطة الأراضي»، إذ أخرجت سابقاً عدداً من المواطنين البدو من منطقة الشيخ زايد، شمالي القطاع، وأقيمت مكانهم «مدينة الشيخ زايد»، لكنها في تلك الحالة عوضت سكان المنطقة بأراضٍ تقدر مساحتها بـ200 متر لكل عائلة، وساعدتهم في البناء، لكن هذا تم في عهد السلطة الفلسطينية (حركة «فتح»).
وكانت وثيقة صادرة عن حكومة الوفاق الفلسطينية قد قالت إنها تلقّت 46% فحسب من المنح التي تعهّد بها المانحون في مؤتمر «إعادة إعمار غزة»، والخاصة بإعادة إعمار القطاع بعد حرب 2014.