تتحضّر «الجامعة الأنطونية» (بعبدا) لاستضافة ثلاث أمسيات كلاسيكية متتالية (اليوم وغداً وبعد غدٍ) ضمن موسمها الحالي من برمجتها الموسيقية المعروفة بـ «موسيقى الحُجرَة». لهذا الموعد أهمية استثنائية تتعلّق بالبرنامج، لكن لناحية الثنائي الذي يحييه يمكن القول إن بعض التكرار والملل بدأ يصيب هذا النشاط الدائم والجميل. على البرنامج سلسلة مخصّصة لبيتهوفن تشمل أداء عملٍ كاملٍ في فئته، أي سوناتات الكمان والبيانو العشر التي تركها المؤلف الألماني.
وهذا حدث استثنائي، إذ قلّما نشهد مثله في لبنان. لدى بيتهوفن أعمال في فئات مختلفة، جرت العادة، في أوروبا على وجه الخصوص، على تقديمها كاملةً ضمن سلسلة أمسيات. مثلاً، قد نسمع أن عازف البيانو الفلاني ينوي تقديم سوناتات بيتهوفن الـ32 في أمسيات عدة متتالية (أو شبه متتالية). كذلك يحدث بسمفونياته التسع مع أوركسترا معيّنة وقائدها أو بسوناتات التشيلّو الخمس أو غيرها من أعمال المؤلف الكبير. إذاً، من هذه الزاوية، نشدّد على أن أمسيات «الأنطونية» حدث كبير ونادر محلياً وعربياً. غير أن الثنائي الإيطالي فرانشيسكا ديغو (كمان) وفرانشيسكا ليوناردي (بيانو)، بات حضوره أمراً عادياً لا يشكّل مفاجأة لأحد، وتحديداً إن كان البرنامج مخصّصاً تحديداً لبيتهوفن (أي أعماله المكتوبة لهاتين الآلتَين). صحيح أنهما ثنائي صاعد ومحترم، لكن سبق أن سمعناهما في «بيروت ترنّم» (عزفت الفتاتان يومها بعض سوناتات بيتهوفن تحديداً!) ثم قبل نحو ثمانية أشهر في «الأنطونية» (وضمن موسم «موسيقى الحجرة» تحديداً!) حيث شكل بيتهوفن، أيضاً وأيضاً، جزءاً من البرنامج! علماً أن عازفة الكمان (ديغو) في الثنائي سبق أن دعاها «مهرجان البستان» قبل أربع سنوات!
حسناً. قد نغض الطرف عن بعض التكرار في ما خصّ الأسماء المدعوة إلى «الأنطونية» و«بيروت ترنّم» (بما أن المدير الفنّي واحد هنا وهناك، وهو الأب توفيق معتوق)، متى كانت الأعمال المقدّمة في الأمسيات مهمة و/أو متى كان الموسيقيون الذين يحيون هذه الأمسيات استثنائيين. في الواقع، برنامج «سلسلة بيتهوفن» في «الأنطونية» عظيم. لكن العازفتَين الإيطاليتَين ليستا من الطراز الرفيع ولا من الدرجة الثانية ولا حتى الثالثة، ليس في ما خصّ أداءهما بشكل عام، إنما في أداء هذا «العمل» (أي مجموعة السوناتات العشر) لبيتهوفن. وإليكم بعض المعلومات هنا. أولاً، سجّلت الحسناوان هذه السوناتات على ثلاث دفعات (3 أسطوانات متتالية) عند الناشر الألماني المرموق «دوتشيه غراموفون»، لكنّ التسجيل لم يرقَ إلى المستوى المطلوب، إذ يمكن تصنيفه ــ إن لم نقل بين الأسوأ تاريخياً ــ بين التسجيلات التي لا تحتل المراتب العشر الأول في ديسكوغرافيا هذا العمل الضخم. ثانياً، ثمة أمر غريب يخصّ هذا التسجيل إذ نجده في السوق يحمل إشارة الناشر الألماني المذكور، لكن تصميم الأغلفة أخذ اتجاهاً لا يشبه «السياسة» المتبعة من «دويتشيه غراموفون» لناحية الخطوط والألوان. فهو (أي تصميم أغلفة تسجيل الثنائي النسائي الإيطالي) ذو توجّه معاصر وقبيح! والأغرب، ثالثاً، أن موقع «دويتشيه غراموفون» لا يورده في كاتالوغه، لا بل، رابعاً، لا يورد اسم أي من العازفتين في لائحة الموسيقيين الذين سجّلوا عنده منذ أكثر من قرن من الزمن، ولو على سبيل الأرشفة!
كتب بيتهوفن عشر سوناتات للكمان والبيانو. أنجز تسعاً منها خلال خمس سنوات (1798 ــ 1803) قبل أن يضيف العاشرة بعد نحو عقد (1812). فعلاً كلّها جميلة، غير أن الشهرة المطلقة تبقى للسوناتتين الرقم 5 (المعروفة باسم «الربيع») والرقم 9 (المعروفة باسم «كروتزر» نسبةً إلى عازف الكمان الفرنسي رودولف كروتزر الذي أهداها إليه بيتهوفن نفسه). أما لناحية التسجيلات الكبيرة لهذه المجموعة، فهناك عدّة خيارات ممتازة على رأسها تلك التي تحمل توقيع السوفياتيَّين أويستراخ (كمان) وأوبورين (بيانو) أو الثنائي الإسرائيلي (مع الأسف!)/الروسي بيرلمان (كمان) وأشكيناري (بيانو) أو تسجيل الفرنسيَّين فيراس (كمان) وباربيزيه (بيانو) أو مينوحين (كمان) وكامبف (بيانو) أو كريمر (كمان) وأرغيريتش (بيانو)، أو غيرهم الكثير قبل أن نصل إلى… فرانشيسكا وفرانشيسكا!

* سلسلة سوناتات بيتهوفن للكمان والبيانو: اليوم وغداً بعد غد ــ «الجامعة الأنطونية» (بعبدا). الدعوة عامة.