عمان ــ الأخبار | وافق الملك الأردني، عبدالله الثاني، أمس، على التعديل الوزاري الثاني على حكومة هاني الملقي، بما يشمل تعيين غالب الزعبي وزيراً للداخلية، وأيمن حسين الصفدي وزيراً للخارجية وشؤون المغتربين، وذلك بما يمس بمناصب بقيت ثابتة طوال حكومات عدة.
كذلك شمل التعديل تعيين ممدوح العبادي وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، وعمر أحمد الرزاز وزيراً للتربية والتعليم، وحديثة جمال الخريشا وزيراً للشباب، وبشر هاني الخصاونة وزير دولة للشؤون القانونية.
اللافت في التعديل كان خروج الوزير العابر للحكومات، وزير الخارجية السابق ناصر جودة (راجع العدد ٢٥٣٥ في ٦ آذار ٢٠١٥)، وذلك بعد تسعة أعوام قضاها في الوزارة، وهو أمر أرجعه مراقبون إلى اشتداد الخصومة بين الملقي وجودة، ففتور علاقتهما بات واضحاً للجميع، كما أكد مطلعون أن الملقي «كان همه الأكبر التخلص من جودة». وما يؤكد الحديث حول هذا الخلاف، استحداث منصب وزير دولة للشؤون الخارجية للمرة الأولى في موازاة منصب وزير الخارجية، وقد أسند إلى الوزير بشر الخصاونة، فيما أصدر الملقي أخيراً تعليمات تتضمن نقل صلاحيات من جودة إلى الوزير الخصاونة.
ومن أبرز الصلاحيات التي نقلت من جودة إلى الخصاونة إدارة شؤون سفارات الأردن، بالإضافة إلى تعيين السفراء والقناصل، وهي صلاحيات مهمة، يعني سحبها رسالة واضحة لجودة بأن مغادرته باتت وشيكة. وبذلك، أعاد الملقي، بعدما ضمن رحيل جودة، الخصاونة إلى حكومته، ولكن بمنصب وزير دولة للشؤون القانونية هذه المرة. وحالياً، تسلم وزارة الخارجية شخصية «إشكالية» هي أيمن الصفدي، الذي شغل منصب مستشار الملك، كما عمل سابقاً مديراً لدائرة الإعلام في الديوان الملكي، ويُعرف عنه عداؤه الشديد لسوريا وإيران، وقد عبّر عن ذلك في مقالاته المنشورة في صحيفة «الغد».
على جانب آخر، أطاح التعديل وزير الداخلية سلامة حماد، عقب انتقادات واسعة لأداء الأجهزة الأمنية خلال هجمات الكرك التي تبناها تنظيم «داعش» أخيراً، وقُتل خلالها، وما تلاها من عمليات دهم، أكثر من 14 شخصاً، أغلبهم من عناصر الأمن. وفي هذا الإطار، كان الملك قد أصدر «إرادة ملكية» الخميس الماضي، بالموافقة على قرار مجلس الوزراء إحالة مدير الأمن العام، اللواء عاطف السعودي، على التقاعد، الأمر الذي ربطه محللون بـ«عملية الكرك»، وهو قرار قد تُمّم أمس بمغادرة حماد.

تسلّم حقيبة الخارجية وزير معروف بمعاداته لسوريا ولإيران

ويرى محللون وسياسيون أن أحداث الكرك سهّلت على رئيس الحكومة التخلص من بعض الوزراء، وخاصة في حقيبة الداخلية، لكنهم في الوقت نفسه لا يرون في التعديل سوى عملية تدوير لا أكثر، فلا جديد جوهرياً، والوزراء الجدد هم من بطانة الدولة المطيعين، ما يعني أن التعديل لم يكن استجابة لضغوط الشارع، إنما كان انعكاساً للصراعات في دوائر الحكم، وتناقض تعدد الحكومات (رئاسة الوزراء، الديوان الملكي، المخابرات).
في السياق نفسه، غادر وزير الشباب رامي وريكات، فيما دخل الوزارة والد زوجته السياسي المخضرم ممدوح العبادي. وخرج من التشكيلة الحكومية أيضاً نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم، محمد ذنيبات، الذي نال نصيباً واسعاً من نقد جماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيين مع أنه إخواني سابق، وذلك بعدما عدلت الوزارة المناهج الدراسية للصفوف الابتدائية، وحذفت أحاديث وآيات قرآنية من الكتب المدرسية.
أيضاً، تسلّم عمر الرزاز (ليبرالي) حقيبة وزارة التربية خلفاً للذنيبات، في مؤشر إلى استمرار الحكومة في تطبيق «استراتيجية محاربة الفكر المتطرف» التي وضعتها منتصف العام الماضي. وطاول التعديل الحكومي وزير الشؤون الاقتصادية جواد العناني، المعروف بأنه «عرّاب الفريق الاقتصادي»، كما ألغي منصب وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الذي كان يشغله يوسف منصور.
هذا التعديل اللافت يأتي على وقع اعتقالات سياسية نفذها جهاز المخابرات العامة، يوم الجمعة الماضي، وطاولت ناشطين ومتقاعدين عسكريين. وارتفع عدد المعتقلين، أمس، إلى 19 تنوعت انتماءاتهم بين إسلامي، وآخرين ممن يعرفون بـ«تيار المتقاعدين» العسكريين، الذين كان أبرزهم المتحدث باسمهم اللواء المتقاعد محمد العتوم، إلى جانب النائب الأسبق المقدم المتقاعد وصفي العتوم، وعدد من الحراكيين.
وكان «تيار المتقاعدين» قد طالب الملك، في بيان، بالتدخل وبإقالة الحكومة الحالية وتعيين «حكومة إنقاذ وطني»، متحدثاً عن أطراف في الحكم «تسعى إلى جر المملكة إلى نار ملتهبة داخلياً وخارجياً». هنا، يرى محللون في حجم الاعتقالات «ضربة استباقية» لمواجهة أي احتجاجات قد تسبق قرارات حكومية برفع الأسعار، أو أي قرارات استثنائية أخرى. لكن رئيس الحكومة هاني الملقي، قال إن قضية الموقوفين صارت أمام القضاء، مبدياً ثقته في «عدالة ونزاهة وحيادية القضاء». ولفت الملقي إلى أن «القانون هو الفيصل في التعامل مع الجميع... حرية الرأي والتعبير لا تعني التحريض أو الفوضى».