قد يكون القضاء المستعجل، بحد ذاته، من أرقى أشكال القضاء، إذ يهدف في الشكل إلى حماية حقوق الشخص أو المؤسسة من اساءة داهمة، كالمساس بالسمعة والتحقير والتعرض للحياة الشخصية، إلخ. لكنّه قد يستحيل خطراً حقيقيّاً على الإعلام، من جرّاء بعض الاستعمالات المنحرفة أو الشائهة التي تسعى إلى تحويله أداةَ قمع ورقابة.
هذا التوظيف المكروه، تقف وراءه عادةً أطراف مصلحتها أن تعقّم السجال، وتُخرس النقاش، وتمنع وصول الحقيقة ـــ أو أحد وجوهها ـــ إلى الرأي العام. ولن نسمح لأنفسنا بالتعميم طبعاً، إذ نعرف تماماً أن هناك في لبنان عدداً لا بأس به من القضاة الذين يركزون في اجتهاداتهم على حريّة التعبير ، ويحمون الاعلام من محاولات التكميم غير المباشرة بوسائل قانونيّة، حين تملي عليهم ذلك أحكام الحق والعدل والمنطق (إيفا الشوفي في «الأخبار»، أول يوليو 2016). لكن، وللأسف، فقد استُعمل هذا السلاح بإسراف في لبنان، خلال السنوات الأخيرة، لتكميم الصحافة ومحاصرة الاعلام.
أما الخطر الأكبر على حريّة التعبير، فهو أن يتحوّل بعض الاعلام إلى محرّض عليها، من دون أن ينتبه لحظة أنّ ما يقوم به، لخدمة مشروعه المشبوه غالباً (فكرياً أو ماليّاً)، هو قطع الغصن الذي يقف عليه هو أيضاً. لكن من قال أن مثل هذا النوع من الاعلام معنيّ أصلاً بحماية قيم الديمقراطيّة وحريّة التعبير والتعددية والسلم الأهلي ودولة القانون؟ من الأمثلة الفاقعة على ذلك، محطّة آل المرّ التي تألّقت خلال الآونة الأخيرة في لعبة الوشاية، والتحريض، والشتم على الهواء، والدعوة إلى تقييد الحريّة. تعليق عابر على تويتر، حوّلته المحطّة قضية وطنيّة عبر التلاعب بالمشاعر الشوفينيّة والشعارات الجوفاء. وكان أن أوقعت في الفخ شريحة متوتّرة من الرأي العام، وحرّضت على احتجاز شاب جريمته تغريدة غاضبة (زينب حاوي في «الأخبار»، 7 ديسمبر 2016 ). ثم سمحت Mtv لنفسها بإثارة الأصوليّات والعصبيات الدينيّة ضد «الجديد». المحطّة المذكورة قامت بتسليط الضوء على احدى الظواهر السرطانيّة التي تفتك بمجتمعاتنا بهدف مناقشتها وتعريتها وإدانتها (محطّة أصوليّة تدّعي «المسيحيّة»، اختصاصها التجريح بالإسلام). وكان أن أنخدشت مشاعر محطة آل المر: يا للغيرة الكاذبة على الاسلام ورسوله، لدى مؤسسة هي رأس حربة الانعزاليّة المسيحيّة! وهنا أيضاً نجحت في تهييج أضغاث التكفيريين، وتحريض جزء من الرأي العام الخائف على رموزه، كما نجحت للأسف في ارباك المحطة المنافسة، وحشرها في وضعيّة دفاعيّة!
وها هي محطة المرّ تضرب من جديد! لقد توجّهت إلى قاضي الأمور المستعجلة (مع «استوديو فيزيون» وغبريال المرّ شخصيّاً)، بطلب منع جريدة «الأخبار» ومحطّة «الجديد» من تناول أي من المستدعين الثلاثة. لنقل إننا هنا أمام حالة تجمع بين العبثيّة والصفاقة! وسيلة إعلاميّة تريد منع الاعلام من القيام بعمله! المحطّة نفسها التي شتمتنا على الهواء في مقدّمة نشرة أخبارها قبل أسابيع، وتناولت رئيس تحريرنا واحدى زميلاتنا بعبارات نابية ومخجلة، بسبب مقالة نقدية (ولم نرد يومذاك طبعاً)، تلجأ إلى القضاء لمنعنا من التطرق الى ادائها… على قاعدة: ضربني وبكى، سبقني واشتكى! وتريد منعنا من اطلاع الرأي العام على قضيّة التخابر غير الشرعي التي تواجهها شركة المرّ (فراس الشوفي في «الأخبار»، 5 يناير 2017). أليس هذا مثالاً فاقعاً على استعمال القضاء المستعجل لتكميم الصحافة؟ هذه الشاشة التي تبثّ تقاريرها من قواعد للجيش الاسرائيلي عند الضرورة، تفوّقت على نفسها في تحقير المهنة، والتفريط بالقيم السامية التي تقوم عليها. ولم يعد أمامنا سوى أن نطرح الصوت على أهل المهنة، وعلى القضاء، وعلى الرأي العام، فقد باتت Mtv تشكّل خطراً حقيقيّاً على حريّة التعبير في لبنان.