أيام قليلة تفصل عن انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، المقررة الأحد المقبل. كل حزب من أحزاب السلطة يدّعي امتلاكه قوة تمثيلية كبيرة تبرّر مطالبته بحصة معتبرة في الهيئة الإدارية. يتناقل الأساتذة طرفة مفادها أن أعداد المندوبين التي يدّعي كل حزب "امتلاكها" أو "وجودها في الجيبة" ستبلغ أكثر من ألف مندوب عند جمعها، في حين أن عدد المندوبين الفعلي هو 504 مندوبين فقط يشكلون الهيئة الناخبة.
هذه الطرفة تدلّ على التضخيم في الأحجام، وهذا ما يجعل المفاوضات الجارية تتسم بالضبابية والمكابرة. ففي النهاية، يعلم كل حزب أنه يمثل أقلية وأن حصوله على حصة مرهون بتحالفه مع الأحزاب الأخرى. هذا المنطق هو الذي حكم الدورة السابقة من الانتخابات، التي أطاحت ما يُسمّى "النقابيين المستقلين"، وأسهمت في تعطيل فعالية الرابطة وقدرتها على الضغط من أجل حقوق الأساتذة، ولا سيما سلسلة الرواتب. فهل ستتحقق المحاصصة الحزبية في الدورة الانتخابية الحالية أيضاً؟
التعليقات على «فايسبوك» و"مجموعات الواتساب"، بما فيها تعليقات الحزبيين، تزخر بنقد تجربة الهيئة الحالية، التي "لم تحقق شيئاً لقطاع التعليم الثانوي الرسمي"، و"لم توضح العلاقة مع هيئة التنسيق النقابية"، و"لم تقف عند رأي أغلبية الأساتذة في الجمعيات العمومية"، وخصوصاً في اتخاذ القرارات المهمة، مثل تصحيح الامتحانات الرسمية، والمتابعة الجدية مع تعاونية موظفي الدولة وغيرها. اللافت أن بعض هذه التعليقات النقدية صدرت عن أساتذة منضوين في الأحزاب الممثلة في السلطة، التي ما انفكت تعلن موقفها الصريح الرافض لإقرار سلسلة الرواتب. هؤلاء بدوا غير مقتنعين بالتحريض الذي يمارسه بعض المسؤولين في أحزابهم ممن عادوا إلى التهويل بأن إعطاء السلسلة يرتب عجزاً ويهزّ سلامة النقد. يطالب هؤلاء بسحب الحقوق من "تم السبع"، ومنهم من طالب برصّ الصفوف بعيداً عن الأعداد والأرقام... ومواقف الأحزاب الرسمية.
السؤال: كيف تترجم هذه المواقف في صناديق الاقتراع؟ وهل يملك المندوبون قرارهم المستقل فعلاً؟
هناك إقرار بعجز أي فريق عن حسم النتيجة لمصلحته من دون التحالف الواسع للقوى الممسكة بالسلطة، وبحسب المعلومات المتاحة، ليس هناك أي اتجاهات نحو تشكيل لوائح متقابلة إلا لدى التيار النقابي المستقل (الكتلة المعارضة الأقوى)، لذلك تنحصر المفاوضات حالياً في حصة كل حزب في اللائحة الائتلافية وإمكانية إعطاء حصة لهذا التيار من باب "التلوين".
تقول مصادر التيار النقابي المستقل إن هدفه تشكيل قوة اعتراض وازنة داخل الرابطة تضمن استقلالية القرار النقابي، وإلا فهو سيخوض الانتخابات بالتحالف مع المندوبين، الذين لا يدورون في فلك الأحزاب، بهدف خرق المعادلة القائمة. ويشيع التيار أنه حقق تقدماً ملموساً في النتائج التي حصل عليها في آخر انتخابات، وأنّ عدد المندوبين الذين يمكن أن يلتقي معهم ويراهن عليهم يتجاوز 50% من مجمل الهيئة الناخبة.
يرى القيادي في التيار جورج سعادة، أن احتمالات خرق التركيبة الحالية قائمة "إذا ما اعتمدنا على الثقة التي أولاها لنا الأساتذة، ومنهم نقابيون لديهم بطاقات حزبية في التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحزب القوات، وخاضوا انتخابات المندوبين على لوائحنا، رغم الضغوط التي مورست (تهديد الأستاذ بإلغاء تعاقده الداخلي أو بنقله من ثانويته أو بتحويله من ناظر عام إلى التعليم أو العكس، ترغيبه في ذلك)". ويرى أن "مدّ اليد للتحالف مع أحزاب السلطة ليس غاية بحد ذاتها ما لم يقم هذا التحالف على معايير واضحة، أولها التزام الرابطة القرار النقابي المستقل وترجمته بتمثيل المستقلين بنصف أعضاء الهيئة الإدارية على الأقل (9 مقاعد)، وأن يتمثل كل حزب بمقعد واحد على الأكثر. والمعيار الثاني اعتماد قانون للانتخاب يقوم على النسبية نلتزم تطبيقه في أول انتخابات تحصل، والمعيار الثالث العمل من أجل الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي وانتزاع السلسلة العادلة على قاعدة الـ 121% لا السلسلة التي أعدتها اللجنة النيابية الفرعية الثانية برئاسة النائب جورج عدوان".
تلتقي لجنة الحفاظ على موقع أستاذ التعليم الثانوي الرسمي، برئاسة النقابي فيصل زيود، مع التيار النقابي المستقل على عنوان رفض الاصطفاف والمحاصصة الحزبية، فهي لا تزال تراهن على خيار التوافق النقابي مع كل القوى في الرابطة، على قاعدة ترتيب البيت الداخلي بعيداً عن الانعزالية، وتطرح شعار «الأستاذ الثانوي أولاً».

تنظر القوى الممسكة
بالسلطة إلى الانتخابات على أنها معركة أحجام




في المقابل، تنظر القوى الممسكة بالسلطة إلى الانتخابات على أنها معركة أحجام وتحاول انتزاع أكبر عدد من الممثلين في الهيئة الإدارية. ويبدو لافتاً ما يقوله النقابي نزيه جباوي (حركة أمل) لجهة أن «المندوبين، الذين قاتلت القوى من أجل فوزهم، لن يرضوا بأقل من الحجم الطبيعي لتمثيلهم». ويعبّر عن قناعته بأنّ عدد المندوبين غير الملتزمين حزبياً لا يتجاوز 100 مندوب من أصل 504 مندوبين، وكل ما يقال خلاف ذلك هو «حكي انتخابي». ويؤكد أننا "متمسكون باللائحة الائتلافية وتمثيل الجميع".
تقول مصادر نقابية في حزب الله لـ «الأخبار» إنّ خريطة المندوبين واضحة هذه المرة، فليس هناك تداخل كما كان يحصل في الدورات السابقة، عندما كان مندوبون ملتزمون حزبياً يقترعون من خارج اللوائح التي تنضوي فيها أحزابهم.
يقول النقابي ميشال الدويهي (التيار الوطني الحر) إنّ توحيد الأهداف بين الأساتذة لا يحصل إلّا إذا توقف التحريض بينهم وابتعدوا عن مقولة "هؤلاء أزلام سلطة والآخرون منزهون وطاهرون". برأيه، لا يوافق أساتذة التعليم الثانوي الرسمي على أن يبقوا مطية لهيئة التنسيق "وما بدن حدا يركب على أكتافهم"، ويطالبون برفع الظلم عن أنجح قطاع وظيفي، مشيراً إلى أن المطلوب استعادة الموقع الوظيفي، ومن ثم السلسلة.
أما بركات طالب، النقابي المحسوب على تيار المستقبل، فيبدو مقتنعاً بأن أستاذ التعليم الثانوي تحديداً يملك من الوعي النقابي ما لا يجعله أسيراً للتوازنات السياسية العامة، وليس هناك إمكانية لبيع الحقوق، فالآليات الديموقراطية لا تزال مطبقة، رغم المزايدات التي تعرضت لها الرابطة الحالية، إذ بقي المنطق والحجة والتواصل بين الأساتذة سيد الموقف، معرباً عن اعتقاده بأن إمكانية فتح معركة مع السلطة خارج الموقف الحزبي لا تزال ممكنة.




اليوم الانتخابي


يتجه 504 مندوبين في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، الأحد المقبل، لانتخاب 18 عضواً في الهيئة الإدارية للرابطة. وكان باب الترشح قد أقفل ليل الأحد ــ الاثنين على 88 مرشحاً. وتجري الانتخابات في ثانوية عمر فروخ من التاسعة صباحاً حتى الرابعة من بعد الظهر.