القاهرة | أول من أمس، ودعنا الروائي والقاص المصري أحمد الشيخ (1939-2017)، تاركاً ما يقارب 40 مؤلفاً روائياً وقصصياً للكبار و27 للصغار، لتحتل روايته «الناس في كفر عسكر» مكانة خاصة في تاريخ السرد. رغم اختفاء اسمه في المنشورات الورقية وعدم وجود ناشر يقبل بطباعة إبداعاته وطرحها بأسعار مناسبة للجمهور، لكنّه ظلّ متابعاً للحركة الأدبية.
لم يتوقف عن الكتابة حتى أيامه الأخيرة، وكان يستعد للانتهاء من أكثر من مشروع. هو واحد من الأسماء الروائية المصرية اللامعة، ينتمي إلى جيل الستينيات، الذي عاصر الهزيمة وانكسار الحلم عام 1967، بعدما آمن بالعروبة. منعطفات تاريخية استمر الشيخ في معالجتها في أغلب كتاباته.
لم يجد النقد التقليدي المتسرع في أشهر رواياته «الناس في كفر عسكر» سوى أنها تتناول الريف المصري، بيد أنّها بأجزائها تعد واحدة من السرديات التي تتناول الاغتراب والتمزق الإنساني الناتج عن الصراع الدائم بين المستقر والوافد. كذلك، تعرضت للتغيرات المجتمعية التي مرت بها مصر في نصف قرن، ويستفيد مؤلفها من تقنيات روائية عدّة أبرزها اعتماده على تقنية تعدد الأصوات، مما يجعل روايته ضمن قائمة روايات «وجهات النظر»، فضلاً عن تداخل الأزمنة بشكل مربك ولافت ومثير للقارئ، ليكشف عن المفارقات بين أيام الصبا والشيخوخة لشخصية «حسن عوف». استمر الشيخ في استلهام المواقف التاريخية الكبرى. توقف أمام ثورة يوليو 1952 ثمّ النكسة ومن بعدها الانفتاح الاقتصادي الذي وصفه بالعقبة في مسار التاريخ المأمول الذي حوّل الناس إلى مرتزقة يتبعون من يدفع لهم فيهتفون له أو يطبلون ويزمرون بلا قناعة أو إيمان. كما توقف أمام ثورة يناير 2011، من خلال مجموعته القصصية «جالس القرفصاء يتودد لروحه» وروايته الأبرز «عاشق تراب الأرض» التي استلهمها من مشهد حماية المتحف المصري خلال أحداث جمعة الغضب 2011.
حصد الشيخ جوائز أدبية عدّة منها، وأخيراً، التفتت إليه الدولة، وكرمته بمنحه جائزة الدولة التقديرية عام 2015، بعدما حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن «النبش في الدماغ». الدراما أيضاً أنصفت «الشيخ»، فحصل مسلسل «كفر عسكر» (2004 ـ إخراج الراحل نادر جلال وسيناريو بشير الديك) على الجائزة الذهبية في «مهرجان الإذاعة والتلفزيون» من العام نفسه، وحصلت دلال عبد العزيز على جائزة أفضل ممثلة. من جهته، ظلّ الشيخ طوال حياته يرى أن الحصول على الجوائز في مصر يتطلب «وجهاً كالحاً ينقصه الحياء» وعلاقات و«شللية» لم يكن يجيدها، واصفاً القائمين على الجوائز بـ «الدبابير» الذين يمنحونها للتابع أو المتملق.