القاهرة | على مدى ست سنوات ماضية، تزامنت الاعتداءات الطائفية ضد الأقباط في مصر مع أعيادهم. أبرز تلك الحوادث، كان تفجير كنيسة القديسين في ليلة رأس السنة عام 2011 في الإسكندرية، وحادث تفجير الكنيسة البطرسية في وسط القاهرة الذي وقع قبل أسابيع، وراح ضحيته 28 قتيلاً وعشرات المصابين.
ومع حلول ليلة عيد الميلاد اليوم، يزداد الترقب والخوف من وقوع اعتداءات جديدة، برغم التشديد الأمني في محيط كل الكنائس التي ستقام فيها صلاة العيد. فالتفجير الأخير الذي تبناه تنظيم «داعش»، دفع العديد من الأشخاص إلى اتخاذ قرار بعدم الذهاب للصلاة في الكنائس هذا العام، إما بسبب الخوف من حوادث إرهابية أخرى، أو حزناً على ضحايا البطرسية، وخصوصاً أن ما شهدته الكنيسة الواقعة في منطقة العباسية يعدّ الأقسى في تاريخ العمليات الشبيهة في مصر.
وقال مينا زكي، وهو مدير إحدى شركات التسويق، «نشعر بالضيق والحزن والانكسار، حتى فرحة العيد نشعر بأنها مكسورة. فحوادث استهداف الأقباط التي وقعت في السنوات الأخيرة كلها كانت تقع في ليلة العيد، وكأنّ هناك تعمُّداً بألّا نفرح».

تُعدّ حادثة ذبح بائع الكحول في الإسكندرية الأولى
في مصر

وأضاف زكي، في حديثٍ إلى «الأخبار»، «في آخر مرة ذهبت فيها إلى الكنيسة فتّشني الأمن بحثاً عن حزام ناسف. وبعد تفجير كنيسة القديسين الذي تم بواسطة سيارة، منعت قوات الأمن وقوف السيارات بجوار الكنائس، وكأن الإرهابي الذي يريد تفجير كنيسة سيكرر الطريقة نفسها التي استخدمت في تنفيذ أعمال سابقة والتي اكتشفها الأمن». وتابع زكي: «برغم التشابه بين حادث تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، وحادث تفجير الكنيسة البطرسية، فإنّ حادث البطرسية كان أبشع، وتأثيره أسوأ على الأقباط، لأن كل ضحاياه كانوا من الأطفال والنساء، إضافة إلى أن حادث كنيسة القديسين كان الحادث الأول بهذا الشكل منذ عشرات السنين، لكن حادث البطرسية يأتي وسط ظروف مختلفة، وتشديدات أمنية عالية، فكيف استطاع شخص يرتدي حزاماً ناسفاً أن يدخل إلى الكنيسة؟!».
الجدير بالذكر أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة انتهت من ترميم الكنيسة البطرسية التي وقع فيها التفجير الشهر الماضي، كما أقيمت فيها الصلوات ليلة رأس السنة.
على الجانب الآخر، قرر جورج فخري، المحاسب في إحدى الشركات، أن يصطحب عائلته للصلاة في الكنيسة ليلة العيد مثلما يفعل كل عام، إذ قال لـ«الأخبار»، «الرب هو الراعي والحافظ، نشعر بالحزن على الشهداء الذين رحلوا، لكننا لن نخاف ولن نترك كنائسنا».
في سياق متصل، رأى مسؤول الملف القبطي في «المبادرة المصرية للحقوق والحريات»، إسحاق إبراهيم، أن هناك فرقاً بين أمرين، الأول هو رغبة العديد من الأقباط في عدم المشاركة في الاحتفالات حداداً على ضحايا الكنيسة البطرسية، بغض النظر عما إذا كانت الكنائس ستقيم احتفالات بالعيد أو لا، أما الأمر الثاني فهو «الخوف من وقوع تفجيرات أو أعمال إرهايبة، وهو أمر ملحوظ أيضاً. لكن الكنائس ستستمر في إقامة الصلوات في المواعيد نفسها لأنها طقس ديني وعادة سنوية وجزء مقدس في التراث الديني الذي يمجد الاستشهاد والموت في سبيل الدين».
من جهتها، قالت المصورة ليلى خليل إنها لا تخشى من وقوع حوادث إرهابية في ليلة العيد، «لكن شعور العيد نفسه أصبح مفقوداً، فالكل يشعر بالحزن وعدم الأمان برغم التشديدات الأمنية أمام الكنائس». وتعرّج خليل في حديثها على «الرجل المسيحي الذي تم ذبحه في الشارع في مدينة الإسكندرية بعيداً عن الكنائس»، في إشارة إلى بائع الكحول، يوسف لمعي، الذي قتل ذبحاً قبل يومين في الشارع أمام المارة.
وتابعت خليل قولها «بعض الناس قرروا عدم الذهاب إلى الصلاة في الكنيسة لأنهم لا يشعرون بالأمان، وكثير من المسيحيين يشعرون بأنهم لا يحصلون على حقوقهم كمواطنين، كما أنه في التعامل العادي بين الناس، بات يكثر سؤال: أنت مسلم أم مسيحي؟ وهذا الأمر تضاعف بعد ثورة يناير وفترة حكم الإخوان المسلمين».
وكانت كاميرات مراقبة محل لمعي قد صوّرت الحادث الذي ظهر فيه وجه المتهم بوضوح، وهو رجل ملتحٍ، كما أوضحت التحقيقات الأولية أن هذا الرجل «يعتنق الأفكار التكفيرية ويعتبر أن الضحية يخالف الشريعة الإسلامية ببيعه الخمور». وتُعد هذه الحادثة الأولى من نوعها التي تتم بهذا الشكل في مدينة مصرية غير مدينة شمال سيناء، التي ارتكب فيها التكفيريون حوادث مشابهة بحق أقباط أو أشخاص يتهمونهم بالتعاون مع السلطات في كشف أماكن التكفيريين.