بورهان أوزبيليسي (1960). اسم صنع الحدث التركي أوّل من أمس، موثقاً بلقطاته لحظة اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف. في غضون ثوانٍ، تحوّلت تغطية صحافية روتينية لمعرض صور في العاصمة التركية بعنوان «روسيا بعيون الأتراك» إلى مشهد هوليوودي بامتياز يحاكي أشهر أفلام الأكشن والتشويق.
أفرغ الشرطي التركي مولود مرت ألتنطاش (1994) «ثماني رصاصات على الأقل» من مسدّسه في جسد السفير البالغ 52 عاماً. صرخ بالعربية أولاً، ثم بالتركية، وهتف: «الله أكبر». تكلّم عن «الذين بايعوا محمداً على الجهاد»، ثم كرّر مرتين بالتركية: «لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب»، مضيفاً: «كل الذين يشاركون في هذا الطغيان سيحاسبون واحداً واحداً».
وسط كل هذا الجنون وصراخ الناس وخوفهم، بقي مصوّر وكالة «أسوشييتد برس» مرابضاً خلف عدسته. «عثرت على مكان للاختباء خلف جدار وقمت بوظيفتي: التقاط الصور» قال أوزبيليسي في نص نشرته الوكالة بعد ساعات من وقوع الجريمة. عبر الكتابة، حاول الرجل تلخيص اللحظات الصعبة والاستثنائية التي عاشها، وكيف أصرّ على إكمال مهمّته: «احتجت إلى لحظات معدودة لإدراك ما يحدث. مات رجل أمامي؛ اختفت روح أمام عينيّ للتو. تراجعت إلى الوراء صوب اليسار..». وتابع موضحاً أنّ «المسلّح كان هائجاً. راح يحوم حول الجثة ويحطّم بعض الصور المعلّقة. بالطبع كنت خائفاً وعلى دراية بالخطر، لكنّني اقتربت قليلاً ورحت أصوّر»، وأضاف: «قلت في نفسي: أنا هنا. حتى إذا جرحت أو قتلت، أنا صحافي، وعليّ أن أقوم بعملي. يمكنني الهروب من دون أي صور، لكن لن تكون لديّ إجابة إذا سئلت: لمَ لم تصوّر؟ في هذه اللحظة، فكّرت بزملاء فقدوا أرواحهم في مناطق الحرب والخطر. وعندما عدت إلى المكتب لتنقيح الصور، صُدمت حين رأيت كيف كان المعتدي يتكلّم وهو واقف خلف السفير، كأنّه صديق أو حارس شخصي».

تبرز الصورة
الطبيعة الوحشية لهذا الاعتداء

أندريه كارلوف ليس السياسي الأوّل الذي يُغتال أمام الكاميرا. شهد التاريخ حالات أخرى مماثلة، أبرزها اغتيال ملك يوغوسلافيا ألكسندر الأوّل في عام 1934، والسياسي الياباني أسانوما إنيجيرو في 1960، وطبعاً الرئيس الأميركي جون ف. كينيدي في 1963، فضلاً عن خامس رؤساء وزارة العدو الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995. لكن في عصر السرعة والثورة الرقمية، أرخى انتشار صور وفيديوات الاغتيال الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي بظلاله على المشهدين الإعلامي والسياسي خلال الساعات الماضية. تزامناً، طُرحت تساؤلات عدّة حول أهمية الصورة في صناعة الحدث والمعايير الواجب اتباعها في عملية اختيار اللقطات المنشورة عبر الميديا التقليدية، وخصوصاً الصحف.
الصحافية في «نيويورك تايمز»، ليز سبايد، حملت هواجس القرّاء والمراقبين وأهل المهنة إلى مساعد المدير لشؤون المعايير والأخلاق في الصحيفة الأميركية، فيل كوربيت. شدد الأخير على أنّ جميع المعنيين بنشر الصور في المؤسسة، قرّروا «نشر صورة السفير بعد إطلاق النار عليه وإلى جانبه الجاني على الصفحة الأولى لأسباب عدّة. الخبر غاية في الأهمية، وخصوصاً إذا أخذنا التدخّل العسكري الروسي في سوريا في الحسبان، إضافة إلى التوتّر الحاصل بين عدد من الدول والجماعات. بوضوح شديد، تُظهر الصورة الطبيعة الوحشية لهذا الاعتداء أكثر بكثير من وصف مكتوب لما جرى: المعتدي الذي يرتدي بزة سوداء، والخلفية الأنيقة، هذان العنصران وغيرهما جزء لا يتجزّأ من الخبر. صحيح أنّ الصورة صادمة، لكنّها ليست دموية أو مثيرة للعواطف بطريقة غير مبرّرة».
توافق الصحافية على كلام المسؤول في هذه الحالة بالتحديد، غير أنّها توضح: «... فكّروا في جثّة الطفل السوري الغارق على أحد الشواطئ التركية (أيلان كردي). صور مماثلة قد تكون مؤذية للقرّاء الذين يفتحون الصفحة الأولى في الصباح ويجدونها من دون تحذير مسبق. هذا يعني أنّ القرارات بشأن طريقة استخدامها يجب أن تتخذ بحذر وعناية، وبدون تردّد».