طهران | منذ مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على تمديد قانون العقوبات «ISA»، قبل نحو عشرة أيام، وضعت الجمهوریة الإيرانية ذلك في خانة «الخرق» للاتفاق النووي أو ما يعرف بـ»برنامج العمل المشترك»، وعقدت جلسات على مستوى الأمن القومي والرئاسي لدراسة الرد الإيراني على هذا الخرق، من قبل أحد أقطاب «السداسية».لم يوقّع الرئيس الأميركي، باراك اباوما، على قرار مجلس الشيوخ، وبالتالي فإنّ طهران لن تعلن رسمياً ردّ فعلها بانتظار إقراره، كي لا تُتهم بالمبادرة إلى خرق الاتفاق، علماً بأن خرق أحد أطراف مجموعة «5 + 1» له يضع المسؤولية على عاتق «السداسية» مجتمعة.
وبينما تتريث طهران في إعلان خطواتها، فقد بدأت بتفعيل «حزمة» الإجراءات الاحترازية التي وضعت سابقاً عبر قوانين مجلس الشورى، ومن خلال المجلس الأعلى للأمن القومي المعني بتحديد السياسات الاستراتيجية، إلى جانب لجنة الإشراف على الاتفاق النووي التي يترأسها رئيس الجمهورية، حسن روحاني.

كان واضحاً، منذ إثارة تمديد قانون «ISA»، أن رد الجمهورية الإسلامية سيكون على المستوى التقني، فيما تنحصر المتابعة السياسية بالاتصالات وتحميل المسؤوليات للاتحاد الأوروبي الراعي للاتفاق بشخص منسّقة السياسية الخارجية، فيدريكا موغريني.

يبدو واضحاً أنّ الرد
الإيراني على واشنطن يقتصر
على الشق التقني

بالتوازي مع ذلك، تبقى احتمالات العودة الكاملة إلى ما قبل الاتفاق النووي فرضية صعبة التحقق، إذ إنّ واشنطن خرقت الاتفاق جزئياً ولم تتنصّل منه، وهذا ما يرتّب رداً إيرانياً بحجم مستوى الفعل الأميركي. وممّا يصعّب العودة إلى ما قبل الاتفاق، واقع أنّ إعادة تشغيل مفاعل آراك للمياه الثقيلة صعب في خلال مدة زمنية قصيرة، بسبب التغيير الحاصل على قالب المفاعل وعدم وجود قالب جاهز لتفعيله (في ظل وجود دراسات ومفاوضات مع الجانب الصيني الذي يتبنّى إعادة هيكلة المفاعل). كذلك، من المستبعد رفع أعداد أجهزة الطرد المركزي وإعادة تشغيل منشأة «فردو» لتخصيب اليورانيوم، لأن دون هذا الأمر عقبات تقنية تستغرق بعضاً من الوقت. أما إعادة رفع مخزون اليورانيوم إلى أكثر ممّا هو محدد في الاتفاق النووي، فأمر مستبعد، لأن العملية العكسية لاستعادة اليورانيوم المؤكسد تحتاج إلى وقت، وطهران بحاجة إلى رد سريع وقاطع لتثبت جديتها في رفض أي مساس بالاتفاق الذي نفذت بنوده كافة باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. يقود هذا الواقع إلى أن ما يبقى ممكناً العمل عليه من جانب طهران يتمثل في موضوع رفع مستوى التخصيب بالأجهزة الموجودة حالياً في منشأة «ناتنز»، والتي يصل عددها إلى ستة آلاف جهاز طرد مركزي.
وفي هذا الإطار، أعطى الرئيس الإيراني، أمس، الضوء الأخضر لوزير خارجيته محمد جواد ظريف، للتحرك دبلوماسياً وقانونياً ضمن إطار التواصل مع أصدقاء طهران وأطراف السداسية، ووجه «تعليمات» إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية، علي أكبر صالحي، بضرورة إعداد دراسة في مجال إنتاج «المحركات النووية» وإنتاج «الوقود النووي» الخاص بها، وهي محركات مخصّصة لسفن النقل والشحن البحري.
وتعيد هذه الدراسة التذكير بموقف مجلس الشورى، قبل عام 2013، عندما واصل الغرب مراوحته في عدم الاعتراف بـ»حق إيران في تخصيب اليورانيوم» (الذي كان مطلب الفريق النووي الذي قاده سعيد جليلي). في حينه، لوّح مجلس الشورى بإلزام الحكومة برفع مستوى التخصيب من 20% ليصل إلى 60%، وذلك ضمن الاستخدام السلمي لتشغيل محركات سفن النقل البحري التي تعمل على «الوقود النووي بمحركات نووية».
الرئيس روحاني عبر إبلاغه منظمة الطاقة الذرية إجراء دراسة لمشروع الوقود والمحركات النووية يبعث برسالة واضحة، تفيد بأنّ إيران مستعدة لاستئناف نشاطها النووي في ما يخص تخصيب اليورانيوم، وبأنها جاهزة لرفع سقف التخصيب من 3.75 في المئة الى 60 في المئة. وقد أعطى روحاني مهلة الأشهر الثلاثة لمن يهمه الأمر، في إعلان واضح وصريح لواشنطن وشركائها في المجموعة الدولية بأن طهران لن تقبل بأي إخلال بالاتفاق، وما ينتجه من عقوبات إضافية، وهي مستعدة لرفع مستوى المواجهة لتصل إلى مراحل نووية «سلمية» تتجاوز بكثير نقطة ما قبل الاتفاق النووي.