لمقاربة الرقابة على الأعمال الفنية والمسرحية في لبنان، حدّان: مواجهة مقصّ الرقيب والقوانين البالية التي يقدم بموجبها على اقتطاع أو منع بشكل كليّ الأعمال الفنية من أفلام وعروض مسرحية، وهناك حدّ آخر دقيق يفصلها قيد أنملة عن التطبيع مع «إسرائيل» تحت شعار حرية التعبير.
للسنة الثالثة على التوالي، وزع مركز «سكايز» (مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية) يوم الاثنين الماضي، «جائزة وجيه العجوز» لأفضل حملة إلكترونية تعنى بـ «الدفاع عن حقوق الإنسان والحكم الرشيد وحرية التعبير في لبنان»، وقد نالتها حملة «سكّر الدكانة». على هامش توزيع الجائزة، أقيمت ندوة نقاشية بعنوان «علاقة الرقابة بالأحداث السياسية» جمعت المخرج لوسيان بورجيلي، المخرجتين ولينا خوري، ورين متري، بحضور ممثل عن لجنة الرقابة على الأعمال السينمائية أنطوان زخيا، والرائد طارق الحلبي من دائرة «البث المرئي والمسموع» في الأمن العام، تتوسطهم مديرة «مهرجان بيروت الدولي للسينما» كوليت نوفل، بإدارة الإعلامية جيزيل خوري. علماً أنّ المخرجين المذكورين تعرّضت أعمالهم للمنع لأسباب مختلفة.
وكما جرت العادة، أرادت خوري تمرير رسائل مباشرة قد تغرق في طيات النقاش، لكن التقاطها وتفنيدها والتمحّص فيها يأخذنا الى مكان خطر. منذ البداية، صبغت هذه الفعالية بصفة «المقاومة الثقافية». بعد عرض الإعلانات الترويجية لأفلام منعت في بيروت مثل «لي قبور على هذه الأرض» (رين متري ـــ 2014 ــ 110 د)، و«الحياة تنتظر للمخرجة الأميركية البرازيلية لارا لي، و«أمور شخصية» لمهى الحاج، و«الأيام الخضر» لهناء مخملباف، سلّط الضوء على فيلم الحاج الذي منع عرضه هذا العام في «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، كون إنتاجه إسرائيلياً بالكامل، بل يمثل رسمياً الكيان المحتلّ (الأخبار 5/10/2016 ــ 26/10/2016). هنا، أفصحت نوفل عن نية تمريره بما أن غيره من الأفلام المشابهة عُرضت في بيروت، مشيرة إلى أعمال المخرجين ايليا سليمان وميشيل خليفي. تلقفت جيزيل خوري ذلك، مشيدةً بـ «مقاومة فلسطينيي 48»، ومضيفةً: «هني أكثر ناس مقاومين عرب في هذه المنطقة (...) هني المقاومين الحقيقيين بعد كل شي عم صير حولنا في المنطقة». وتساءلت «هل منحاربهم؟»، لتلفت نوفل بعبارات أكثر غرابة عن كون مهى الحاج «فلسطينية - إسرائيلية»، وليس «لديها جنسية أخرى» كي تموّل فيلمها! إذاً تم تسطيح وتمييع النقاش الذي محوره الكيان الصهيوني، من دون التوقف عند واقع أنّ فيلم الحاج ليس فقط من إنتاج «إسرائيل»، بل إنّ مدير تصويره (إيلاد ديبي) إسرائيلي، وهو قد مثّل الكيان المحتلّ رسمياً في «مهرجان كان السينمائي» الأخير، وهذا لا ينطبق طبعاً على السينمائيين الفلسطينيين المذكورين!

عرضت رين متري تجربتها
في منع فيلمها «لي قبور
على هذه الأرض»

في الشق المتعلق بالنقاش حول الرقابة وذرائعها، بدا ممثلو هذا الجهاز مرتبكين كونهم يدلون بحجج لا تمت للمنطق بصلة. عرضت رين متري تجربتها وهدفها من عرض «لي قبور على هذه الأرض» الذي يعيد سرديات التهجير عند كل الطوائف اللبنانية، من خلال شهادات حية ووثائق الحرب الأهلية، مع تأكيد متري على أن فيلمها تم تحوير سياقه واقتطاع عبارات منه لإظهاره بأنه طائفي ويثير النعرات. فما كان من الحلبي وزخيا سوى تبرير هذا المنع بحجج مضحكة، من قبيل خوفهما من «ردة فعل الناس» في صالة سينمائية «معتمة» قد تحوي ألف شخص! هذه الحجة انسحبت بدورها على منع طرح الفيلم في DVD، بحجة ضرورة «الترويج له»، وتوافره في مكان عام كما قال الرائد في الأمن العام طارق الحلبي، فيما لم يسر ذلك على الشبكة العنكبوتية التي اقترح ممثلو الجهاز الرقابي اللجوء إليها لمشاهدة الفيلم، علماً أن وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب أكبر ساحتين للترويج وللحشد!
المخرجة لينا خوري التي ملت هذا النقاش الذي تكرره منذ 10 سنوات، وتعرضت لحالتي منع لأسباب «جنسية ودينية» كما قالت، شددت على أهمية وجود وعي جماعي، وضرورة توصيف اللجنة لأسباب المنع، لا ترك الغموض وإعطاء أسباب مجهولة. كذلك، عرض بورجيلي تجربته مع منع فيلم «وهبتك المتعة» (إنتاجه)، وعدد من أعماله المسرحية، مضيفاً أنّ هذا المنع بات يشكل حالة من «العنف الاقتصادي» على حد تعبيره. ومع غياب «سكايز» عن عشرات المسودات التي قدمت بغية تعديل القانون المجحف وغير العصري للرقابة على الأفلام، واقتراح فريقه البدء بحملة ضغط بغية تغيير النصوص القانونية، اختتمت الندوة من دون أن يصار الى تمييز الفصل بين عبارتي التدخل السياسي في الفن والسياسة والفن. على سبيل المثال، رفض زخيا تصوير رفيق الحريري بصورة «غير لائقة» وفتح ملف «سوليدير» كما بان في فيلم رين متري! وإذا ما طبقنا هذا الأمر على باقي الساسة ووضعناهم في مصاف الآلهة، فإن هذا الأمر بالتأكيد سيكون الأخطر على الإطلاق!