بين العاشر والثالث عشر من شهر تشرين الثاني الماضي، عُقد في أمستردام الهولنديّة «المؤتمر الدولي الرابع والعشرون حول الجدالات في التوليد، النسائية والعقم» وهو مؤتمر طبيّ إسرائيلي دوري. لعبت المصادفة دوراً أساسيّاً في دفعنا إلى السعي وراء هذا الملف، ومحاولة كشف ما تيسّر من خفاياه.
كان رامي (اسم مستعار لأحد الشبّان السوريين المهتمّين بجمع وتوسيع قاعدة بيانات تضمّ الشركات الداعمة لإسرائيل في مختلف المجالات) قد علم بقرب انعقاد مؤتمر طبي تقيمه شركة إسرائيليّة في هولندا (حيث يقيم). شرع الشاب في تقصّي المعلومات حول المؤتمر وداعميه والمشاركين فيه، لكنّ آخر ما تخيّله أن يقع أثناء بحثه على أطبّاء سوريين من بين المشاركين. أوّل الأمر، تمكّن رامي من الحصول على اسمي اثنين منهم، واضعاً في يد «الأخبار» رأس الخيط. الفكرة المبدئيّة التي حضرت خلال مناقشتنا للموضوع مع الشاب رجّحت أن يكون الطبيبان من بين السوريين المقيمين في أوروبّا، لكنّ المفاجأة كانت حين اكتشفنا أنّهما يقيمان في سوريا وفي قلب العاصمة دمشق. أكثر من ذلك، قادنا البحث إلى اكتشاف أنّهما يعملان في واحدة من كبرى شركات الصّناعات الدوائيّة في سوريا وهي «الشركة العالميّة للصناعات الدوائيّة ــ يونيفارما».

وفد كبير!

بدأت فصول المفاجأة الثانية بالتكشّف على مراحل، حيث اكتشفنا وجود طبيب سوري ثالث من بين المشاركين، ثم رابع، فخامس... حتى وصل العدد النهائي إلى أحد عشر طبيباً انطلقوا من دمشق إلى أمستردام، في ما بدا أشبه بوفد طبي (غير رسمي).

نقيب الأطباء: إذا صحّت المعلومات فإن أي طبيب شارك سيُشطب من النقابة
تمكّنت «الأخبار» من الوصول إلى هويّة تسعة من الأطبّاء وهم: أيمن جوديّة مدير شركة «يونيفارما» للصناعات الدوائيّة، نزيه إبراهيم صاحب ومدير مشفى نزيه إبراهيم في طرطوس، مروان الحلبي رئيس الجمعية السورية للمولدين والنسائيين والمشرف على وحدة الإخصاب المساعد وأطفال الأنابيب في مشفى الشرق (أورينت) بدمشق، إيسال حسن المتعاونة مع عدد من أكبر المشافي في دمشق وصاحبة مركز إيسال للعقم وطفل الأنبوب بدمشق، رامي عبيد الناصر مؤسس ومدير المركز البريطاني السوري للإخصاب المساعد وطب الجنين ومقره في مشفى الرشيد بدمشق، مصطفى الشوّا (اختصاصي في أمراض الغدد، متعاون مع مشفى الشهباء بحلب).
إضافة إلى كلّ من: محمد شحادة الآغا، عمار الناصر وجمال الحسين. من بين التفاصيل اللافتة التي وصلت إليها عمليّات البحث والمتابعة أنّ الأطباء السوريين «كانوا موضع ترحيب» لدى إدارة المؤتمر التي أسهمت بشكل مباشر في حصولهم على تأشيرة لحضور المؤتمر، في حين أنّ عدداً كبيراً من أطبّاء «دول العالم الثالث» رُفضت طلبات حصولهم على الفيزا (على سبيل المثال، تقدّم حوالى عشرين طبيباً باكستانيّاً بطلبات، ورُفضت). لم يحضر جميع الأطبّاء السوريين كل جلسات المؤتمر الرسميّة، وامتاز ثلاثة منهم بـ«نشاط جانبي كبير» حيث عقدوا لقاءات على هامش المؤتمر مع بن رافائيل وفريقه.

مُشارك ينفي وأخرى تهاجم

سعت «الأخبار» إلى التواصل المباشر مع الأطباء التسعة المذكورين. اتصالات كثيرة انتهت عند الممرضات والمساعدين والسكرتيرات وعلى أبواب غرف العمليّات، وأخرى لم تحظَ سوى برنين مستمر. أفلح التواصل مع الدكتور مصطفى الشوّا الذي أكّد حصول المشاركة، نافياً في الوقت نفسه أن يكون «المؤتمر إسرائيليّاً». وقال الشوّا لـ«الأخبار» إنّ «المؤتمر عُقد بتنظيم من جامعة أمستردام» (وهو أمر منافٍ للواقع ومناقض للمعلومات المتوافرة بغزارة عن المؤتمر ومنظّميه).

نحن كأطباء نتناقش
في العلم، لا نتناقش في السياسة ولا في الدين
الشوّا قال إنّ مشاركته كانت في الدرجة الأولى «بهدف تسليم أبحاث لشركة كوريّة يتعاون معها منذ سنوات طويلة»، وأكّد أن الشركة الكورية هي التي دعت المشاركين (الأمر الذي يتناقض أيضاً مع المعلومات والوثائق، ومع كلام أدلت به مشاركة أخرى). وشدّد الشوّا على عدم وجود «أي مشارك في هذا المؤتمر من إسرائيل ويمكنكم العودة إلى البرنامج» (وهو الأمر الذي فعلناه واكتشفنا وجود وفرة في المشاركات الإسرائيلية). الشوّا أشار أيضاً إلى أنّ «بعض الأطباء السوريين المشاركين يعملون في المشفى العسكري، ولو كان الأمر كما تقولون لما حصلوا على موافقات»، وتحفّظ في الوقت نفسه عن ذكر أسماء أولئك الأطباء. بدورها، قالت الدكتورة إيسال حسن إنّ «المؤتمر لم يضف جديداً لنا على الصعيد العلمي، وهو أقل بكثير من التوقعات، كل ما تحدثوا عنه نشتغل عليه، وبمهارة منذ سنوات طويلة». ولدى سؤالها عن الجهة المنظّمة، نفت أن تكون جامعة أمستردام وقالت «لأ، هو مؤتمر عالمي». وبسؤالها بشكل مباشر عن المشاركة في مؤتمر تُنظمه جهة إسرائيليّة، لم تنف حسن علمها بهذه الحقيقة وقالت «إي طبعاً هاد عمل صعوبات بالسفر لإلنا بس مالو علاقة. بالعكس». ومع تركيزنا على هذا التفصيل، قالت حسن حرفيّاً «نحن كأطباء نتناقش في العلم، لا نتناقش في السياسة ولا في الدين. أنا طبيبة وجوزي ضابط، وهاد عمل صعوبة بالسفر. بس نحن أكدنا مالنا علاقة لا بإسرائيل ولا باليهود. الله يرضى عليك. بعّدنا عنهم». قلنا «أنتم من لم تبتعدوا عنهم وشاركتم في مؤتمر إسرائيلي»، فأجابت بحدّة «ما هني حاكمين كل العالم. هلأ وقفت عهالشغلة. شوبك يا أستاذ أنت صحفي شوبك، بدّها قعدة، ما بيمشي الحال عالتليفون» وأنهت المكالمة.

نقيب الأطباء: ينفي

نقيب الأطباء السوريين الدكتور عبد القادر الحسن نفى وجود أي معلومة لدى النقابة عن المؤتمر المذكور. الحسن أوضح أنّ مشاركة أي طبيب في مؤتمر يُدعى إليه لا تتم بالضرورة بعلم النقابة، وقال «لا توجّه الدعوات عبر النقابة ما لم تكن موجّهة رسميّاً للنقابة، الدعوات الشخصيّة توجّه إلى الأطباء أنفسهم». وأكّد الحسن لـ«الأخبار» أنّه «في حال ثبوت صحة هذه المعلومات، فإن أي طبيب سوري شارك في المؤتمر سيُشطب من النقابة حتماً ويُحرم من مزاولة المهنة داخل سوريا»، كما شدّد على أنّ «هذه القضايا لا تهاون فيها. مقاطعة إسرائيل شعار واضح ولا يمكن في حال من الأحوال التلاعب به». وقال الحسن إنّ نشر أي معلومات عن الموضوع «ستكون كافية لقيام النقابة بمتابعة الملف والتثبّت من حيثياته واستدعاء المشاركين للوقوف على التفاصيل، وفي حال عدم استجابتهم للاستدعاء يتم شطبهم غيابيّاً»، وأضاف «لا يمكن القبول بتبريرات من قبيل: لم أكن أعلم بهوية منظمي المؤتمر ورعاته، فالقانون لا يحمي المغفّلين، ولا شيء اسمه «ما بعرف» وخاصة في ظل وجود الإنترنت الذي يوفر معلومات مسبقة عن كل شيء».

الشركة المنظمة

CongressMed هي شركة مقرها تل أبيب، مختصة في «تطوير وتعزيز التعليم الطبي من خلال مفهوم المؤتمرات». تأسست الشركة في بداية عام 2010 كعلامة تجاريّة لـ«المؤتمر العام للجدليّات في التوليد وأمراض النساء والعقم» والمعروف اختصاراً بـ COGI. وكانت الدورة الأولى من المؤتمر قد انعقدت عام 1999 وتعاقبت على تنظيمه شركات عدّة، قبل أن يُنشئ مؤسّسه علامة تجاريّة مستقلّة.

مشاركون

ينتمي المحاضرون ومديرو الجلسات في المؤتمر إلى جنسيّات عدّة، من بينهم عدد من الإسرائيليين مثل البروفسور إسحاق بلكستين، المدرّس في كلية ساكلر للطب بجامعة تل أبيب والأستاذ المشارك في كلية هداسا للطب في القدس (المحتلّة). وتالي واي روزنباوم وهي عضو معتمد من الاتحاد الإسرائيلي لعلاج أمراض الجنس ومحاضرة في المعهد الإسرائيلي للدراسات الأسرية والزوجية (YNR). من بين المشاركين أيضاً، ديانا جورج شتاين مديرة وحدة أطفال الأنابيب في مستشفى لانيدو الإسرائيلي. وعلاوة على الإسرائيليين، شكّل الأطباء اليهود الداعمون للكيان ركناً أساسيّاً من أركان المؤتمر، ومن أبرزهم البروفسور الفرنسي رينيه فريدمان وهو من الداعمين البارزين لنشاطات مركز «المركز العالمي للمحرقة ــ ياد فاشيم (Yad Vashem)». رينيه أيضاً أحد مؤسّسي منظمة «أطباء بلا حدود» (إلى جانب وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير).




داعمون

الراعي البلاتيني للمؤتمر شركة فيرينغ (Ferring) للصناعات الصيدلانيّة، مقرّها الرئيسي في سويسرا ولها فروع في عدد من الدول الأوروبيّة وواحدٌ في إسرائيل بطبيعة الحال. من بين الرعاة الفضيين، تبرز شركة جدعون ريختر (gedeon richter) الهنغاريّة والتي تنتشر فروعها في حوالى أربعين دولة، للشركة «شريك مُمثّل» في فلسطين المحتلّة هي شركة «تريما إسرائيل» للمنتجات الصيدلانية. وتفتخر «تريما» بأنّها «تقدم المنتجات للجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية ومصلحة السجون الإسرائيلية». راعٍ فضيّ آخر هو شركة MSD الإسرائيلية وهي تابعة لشركة «ميرك وشركاه المحدودة» البريطانيّة. لجميع الرعاة الفضيّين الآخرين فروع إسرائيلية مثل روش (Roche) السويسرية، فوتونا (fotona) الأميركيّة، Cepheid البريطانيّة (ولها أيضاً فروع في: السعودية، البحرين، قبرص، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، قطر، السعودية والإمارات).




المؤسس و إدارة المؤتمر

مؤسس المؤتمر ورئيسه والمشرف على تنظيمه منذ عام 1999 وحتى الآن هو البروفسور صهيون بن رافائيل. من متخرجي جامعة تل أبيب، قبل أن يصبح بروفسوراً معتمداً فيها عام 1989. عام 1997 شغل كرسيّ «تنظيم النّسل» في الجامعة نفسها. بين عامي 1991 و2007 كان رئيس قسم أمراض النساء في مركز رابين الطبّي (على مقربة من تل أبيب)، وبين عامي 1999 و2005 كان رئيساً لـ«جمعية سن اليأس الإسرائيلية».
أما إدارة المؤتمر، فهم ثلاثة إسرائيليين المساعدون الأساسيون لصهيون بن رافائيل، على رأسهم مديرة البرامج روثي ياحاف التي وجّهت الدعوات إلى كل المشاركين (عددهم حوالى ألف، من بينهم الأطباء السوريون بطبيعة الحال) ممهورةً باسمها وتوقيعها ومذيلةً بعنوان الشركة في تل أبيب. والمدير التنفيذي نيسان بارتوف ومديرة التسويق إيلانا رابينوف سوفير.