منع مجلس طلاب الفرع الثالث في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية (مجمّع الحدث)، المحسوب على حزب الله، تنظيم نشاط دعا اليه طلاب، في عيد ميلاد زميلهم محمد حمادة، الذي قضى في 22 تشرين الأول الماضي في حادث سير، بحضور والدته.
هذا النشاط حظي بموافقة مسبقة من مدير فرع الكلية خالد الطويل. امّا حجّة المنع فهي انه يُقام خارج القاعة المغلقة، ويتضمن بث اغاني فيروز، التي كان الطالب الراحل يحب الاستماع اليها. في ذروة التوتر الذي نجم عن هذا السلوك، قررت ادارة الكلية الغاء النشاط، واكتفى عميدها، رفيق يونس، باستضافة الوالدة المفجوعة في مكتبه ووعدها بإعادة إحياء المناسبة خلال أسبوعين في قاعة مغلقة، واستغرق في الشرح للوالدة «الضوابط» التي وضعتها الكلية لمنع حدوث أي احتكاك بين الطلاب المتنوعين، شارحا لها أنّ كل نشاط لا يعني كل الطلاب، ويمكن أن يحمل طابعاً خلافياً، ينظم داخل القاعة لا في الباحة العامة للكلية. لم تفهم ام محمد كيف يمكن ان يكون هذا النشاط خلافيا، ولم يكن يخطر على بالها ان "فيروز" يمكن ان تكون محور هذا الخلاف، الا ان يونس اصر في حديثه الى «الأخبار» على ان الأم "بدت متفهمة للأمر".
يرفض يونس ان يتحمل اي مسؤولية عمّا جرى، يكرر: "أننا أرسينا معادلة مريحة للجميع في فروع الكلية الثلاثة، وهذا ما جنبها المشاكل اليومية التي تحصل في باقي كليات الجامعة (...) وهذه المعادلة تقوم على عدم السماح بتنظيم اي نشاط في الساحة العامة للكلية ما لم يكن مبرراً، وما حصل اخيرا هو سوء تقدير من المدير، الذي ظن أن هذا النشاط لن يحدث مشاكل، لكن ما جرى كان عكس ذلك". واضاف أن «أولوياتي هي التعليم والهندسة لا أي شيء آخر، ولست حكماً بالمسائل الخارجة عن مسؤولياتي الأكاديمية، ومش شغلتي ابحث عن أسباب الخلاف». واستدرك قائلا: «بالنسبة إلي شخصياً لا مشكلة لدي في بث أغاني فيروز، لكن كعميد للكلية علّي أن أراعي هواجس الطلاب المتنوعين».
هكذا، نأت ادارة الجامعة بنفسها عن «المشاكل»، "المسؤولية". ظنّ العميد يونس أنّ القصة انتهت هنا. إلاّ أنّ القصة لم تنته واثارت عاصفة من ردود الفعل، التي تحمّل حزب الله المسؤولية عمّا قام به طلابه في الكلية، كما تحمّل ادارة الكلية والجامعة اللبنانية المسؤولية عن انتهاك الحريات في الجامعة، تفكيرا وممارسة. في الواقع، باتت ادارة الجامعة اللبنانية خاضعة لقوى الامر الواقع في كل فرع وكلية، حتى اصبحت فضاءات هذه الجامعة موزّعة بين القوى المسيطرة تديرها كل واحدة منها على هواها. ما حصل في كلية الهندسة، في نهاية الأسبوع الماضي، ليس الا نموذجا عن تخلي ادارة الجامعة عن مسؤولياتها وواجباتها.

رئيس مجلس طلاب
الفرع: مدير الكلية لا يستطيع
أن يعطي اذناً


ماذا حصل يوم الجمعة الماضي؟ تروي صديقة محمد حمادة، روان كرنيب، أنّ رفاقه قرروا احياء عيد ميلاده «بنشاط بيشبهو وبيبسطوا، طيّرنا بوالين عليها صوره، حبّينا نحط الأغاني اللي بيحبها، أغاني الثورة وأغاني حبيبتو فيروز، بس لمدة ربع ساعة قبل الساعة ٨، بداية الدوام الجامعي». اوضحت كرنيب: «أخدنا اذناً من مدير الكلية وأعلمنا مجلس طلاب الفرع، يللي اعترض عالموضوع بحجة انّو في ناس ما بتسمع اغاني! قلنالو معليش مرقولنا ياها هالربع ساعة». وفي اليوم التالي، فوجئ الطلاب، بحسب كرنيب، بـ 30 شاباً مجتمعين في ساحة الكلية منذ الساعة السابعة صباحاً، على غير عادة، و«لمّا جبنا السبيكر لنحط الاغاني منعونا، وقالوا ان الاغاني هون ممنوعة». كانت أم محمد مشاركة في هذا النشاط، إلاّ أن ذلك، بحسب كرنيب، لم يجعل المعترضين يعدلون عن موقفهم الرفض، على الرغم من تمنيات المنظمين، بل ان المشكل كبر. استغربت كرنيب كيف عمد طلاب التعبئة التربوية الى تخريب النشاط، بدلا من السعي الى حل في حضور والدة محمد.
رئيس مجلس فرع الطلاب، علي الخطيب، لديه رواية أخرى. يقول ان المجموعة، أو الجهة المنظمة لأي نشاط، يجب أن تعود إلى مجلس الطلاب لتنسيق التوقيت والمكان ووضعه في تفاصيل النشاط. يشير إلى أن ما حصل هو أن الشباب أتوا إلينا وابلغونا أنّ لديهم إذناً من المدير بتطيير بوالين وصور وبث أغاني فيروز، فاعترضنا على الأغاني ليس من باب الفوقية أو الفرض، وهو ما لم نفعله يوماً، بل بالاستناد إلى اتفاق سابق بين مجلس الطلاب وجميع الأحزاب والنوادي الطلابية، وهو احترام الجميع والابتعاد عن الاستفزاز وعدم احتكار القرار، وأن حرية أحدنا تنتهي عند حرية الآخرين، فكما التزمنا في كلية الهندسة تحديداً ممارسة الشعائر الدينية وبث الندبيات والأناشيد في القاعات المغلقة، فعلى الآخرين عدم بث الأغاني التي تستفز اكثر من 60% من طلاب الكلية. يتابع الخطيب "أننا اقترحنا تنظيم النشاط في ساحة جانبية لا يسمع فيها الصوت، إلاّ أنّ المنظمين لم يقبلوا ذلك". المفارقة، ان الخطيب يرى أن "مدير الكلية لا يستطيع أن يعطي اذناً ويخرق هذا الاتفاق".
ينفي مسؤول التعبئة التربوية في منطقة بيروت، اسامة نصر الدين، أن يكون هناك قرار مركزي بالمنع، ويقول: «لا يحق لنا ذلك أصلاً»، «حتى إن الطلاب لم يراجعونا في الأمر، وليس هناك قضية أصلاً، حدود الموضوع هو وجود اتفاق بين طلاب الكلية أنفسهم يقضي بوضع بعض الضوابط التي ترضي الجميع، وتحديداً في هذا الموضوع، فلماذا سنعترض على أغاني فيروز وجوليا فهي أغانٍ ثورية ووطنية، وليس لنا علاقة كتعبئة تربوية مركزية إذا في ناس بدها تتسلى داخل الجامعة».
الا ان الكثير من الطلاب لا يوافقون على ان هناك اتفاقا بهذا المعنى قد ابرم. يرفض نادي "سما" في الجامعة اللبنانية، الذي كان محمد حمادة أحد مؤسسيه، الحديث عن وجود مثل هذا الاتفاق. يوضح النادي ان الامر كان لا يزال قيد البحث. يقول النادي، في بيان أصدره أمس، انه لم يكن طرفاً في تنظيم النشاط، لا من ناحية أخذ الإذن ولا من ناحية التنسيق مع مجلس الطلاب، لكنه يدعم أصدقاء محمد ويعد نفسه شريكاً معهم في المسؤولية، ولكنه يرفض استغلال الحادثة للتصويب على التعبئة التربوية واستخدام الكلام المهين، فهذا الكلام لا يمثل النادي، مؤكداً أن وضع اغاني فيروز والاغاني الثورية في ساحة الكلية هو موضوع اجتماعي ثقافي بحت، ولا دخل للسياسة فيه.