لم يولد «الخط الثالث» في سوريا رغم ثلاثين اجتماعاً كان آخرها في تموز 2010في سوريا كان هناك خط ثالث بين المتصارعين: «السلطة» و«الإخوان المسلمون» في أحداث 1979-1982 عبر «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي ضمّ خمسة أحزاب وحركات عروبية وماركسية، والذي قدم برنامجاً للتغيير الوطني الديمقراطي بعيداً عن السلطة ومواليها في «الجبهة الوطنية التقدمية» وبعيداً عن عنف «الإخوان» وبرنامجهم الإسلامي. في العراق لم يكن هناك خط ثالث في فترة 1991-2003 بين صدام حسين وأحمد الجلبي، وفي ليبيا 2011 لم يوجد الخط الثالث بين معمر القذافي ومصطفى عبد الجليل الذي كان مثل جلبي العراق من خط الاستعانة بالخارج من أجل إحداث التغيير الداخلي. في سوريا بين شهري كانون ثاني 2008 وتموز 2010 بدأت محادثات بين ناصريي «حزب الاتحاد الاشتراكي العربي» وماركسيي «تجمع اليسار الماركسي-تيم» و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» و«حزب البارتي- جناح نصر الدين ابراهيم»، مع شخصيات عربية وكردية مستقلة، من أجل تشكيل «الخط الثالث» كخط يجمع الوطنية والديموقراطية معاً في المعارضة السورية، يكون متمايزاً ومختلفاً عن خط السلطة ومواليها وعن خط «إعلان دمشق» الذي كان مع الاستعانة بالخارج ويطمح لتكرار في المعارضة السورية لتجربة المعارضين العراقيين الذي استجلبوا الخارج الأميركي في عملية إسقاط حكم صدام حسين عام 2003. لم يولد «الخط الثالث» رغم ثلاثين اجتماعاً كان آخرها في مدينة دوما في تموز 2010، ولكن تشكلت مسودة ورقة برنامجية كانت هي البذرة الجنينية لولادة «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي» في يوم 25 حزيران 2011 بعد ثلاثة أشهر من نشوب الأزمة السورية عقب درعا 18 آذار 2011. لم يعد «الخط الثالث» بين خط السلطة وخط الاستعانة بالخارج فقط بل انضافت له مضامين جديدة: رفض العنف السلطوي والمعارض، رفض الحل الأمني – العسكري السلطوي والحل الإسقاطي المعارض للنظام لصالح حل تغييري عبر تسوية انتقالية تتشارك على ضوئها السلطة والمعارضة في سلطة انتقالية نحو أوضاع سورية جديدة تتجاوز بنية مرحلة ما بعد 8 آذار 1،963 التي انفجرت منذ آذار 2011 لتقود إلى أزمة سورية - إقليمية - دولية لا مثيل لقوتها وتأثيراتها بالقياس إلى أزمات العالم بفترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.
يمكن القول بأن التجربة السورية هي الوحيدة التي نجح فيها «الخط الثالث» في أن يثبت قوته على الصعيد العربي بين «الحاكم» وبين «المعارض المستعين بالخارج» والذي يكون العنف المعارض والخط الاسقاطي للنظام جزءين من عدة شغله ورؤيته البرنامجية: في لحظات سياسية كان هذا الخط الثالث أو كاد أن يضيع في الزحمة وسط ضجيج خط واشنطن ــ أنقرة ــ الدوحة الذي كان يطمح في خريف 2011 إلى تكرار التجربة العراقية وتلك الليبية التي أسقطت القذافي عبر «الناتو» من باب العزيزية في طرابلس الغرب يوم 23 آب 2011.
وفي مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية يومي 2-3 تموز 2012 لم يلتفت أحد للطرح التسووي الذي قدمته «هيئة التنسيق» مستعينة ببيان جنيف1 الذي صدر قبل يومين عبر توافق أميركي ــ روسي. اختلفت الأمور في عام 2016 مع مؤتمر جنيف 3 عندما وضح بأن الخط الإسقاطي قد هزم في المعارضة السورية لصالح الخط التغييري التسووي. من المحتمل الآن أن تقود الأوضاع الميدانية العسكرية ليس فقط إلى هزيمة «الخط الثاني» عند «الائتلاف» والفصائل المسلحة المعارضة بكل ما يحويه من عنف واستعانة بالخارج وخط يدعو إلى إسقاط السلطة بل أيضاً إلى هزيمة «الخط الثالث»، لتنتهي عبر ذلك حظوظ «التسوية» ولتكون «حكومة الوحدة الوطنية»، كخط مكمل لتجربة «الجبهة الوطنية التقدمية»، بديلاً من تسوية بيان جنيف1 الذي ينص على «هيئة حكم انتقالية».
* كاتب سوري