أكد محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، أمس، أن الملكية الخاصة تتقدم على الملكية العامة، وأن واجب السلطة هو الحرص على حماية الملكية الخاصة. هذا الكلام ليس بجديد، فقد سبقه إليه القاضي السابق سهيل بوجي عندما كان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، في ردّه على الدعوى المقدمة من أجل إبطال مفاعيل مرسوم يهدي أملاكاً عامة بلدية إلى من يسمّون أنفسهم مطورين عقاريين. أكثر من 50 مليون دولار من الأملاك العامة البلدية سلبت من دون أي مسوغ قانوني من قبل حكومة تصريف أعمال، فيما يتم إشغال أكثر من عشرة آلاف متر مربع من الأملاك العامة، إضافة إلى تلك المستثناة بمرسوم من دون وجه ومن دون أي بدل. هذا في عام 1989.أما اليوم، في عام 2016، فمحافظ بيروت القاضي زياد شبيب استعجل منح رخصة بناء لأحد السماسرة الذين لمع اسمهم العام الماضي في خضم المحاولة الفاشلة لبيع عقارات شاطئ الرملة البيضاء لبلدية بيروت بسعر خيالي!
الرخصة الممنوحة أتت بناءً على دعم وإسناد قرارات عدّة لهيئة اسمها "المجلس الأعلى للتنظيم المدني"، مهمتها الأساس الحفاظ على سلامة وحسن تطبيق المخططات التنظيمية والتوجيهية للمناطق اللبنانية. سنكتفي هنا بالقول إن المجلس الأعلى هذا أنجز على دفعات تشريع إنشاء مشروع لا تسمح به القوانين والانظمة لجهة تصنيف المنطقة الارتفاقية الخاصة بالعقار، وتجاوز المعدل الاستثماري الأقصى للبناء في تلك المنطقة، ضارباً عرض الحائط بشروط التراجع عن الأملاك العامة البحرية. هذا كله على 4 عقارات مثبت بالوثائق أنها معتدية على الأملاك العامة البحرية، ومنها اثنان مرتفقان بعدم البناء نتيجة عقد الإفراز الأساسي بين أطرافه عام 1949 والمصدق بالمرسوم 2616 عام 1953. وبذلك لا يعود لأي جهة مهما علا شأنها أن تغير في هذا الارتفاق الذي حدده المالكون الاساسيون (التي تقدس السلطة نفسها ملكيتهم الخاصة)، وعلى من اشترى هذه العقارات أن يحترم ذلك. وبذلك يكون المجلس الأعلى قد شرع مخالفة الأنظمة والمراسيم بغية خدمة أفراد على حساب الحق العام وملكه.
استند المحافظ إلى صورة واحدة تظهر ردميات وضعت لإخفاء طريق "أم كلثوم"

أما بالعودة إلى محافظ بيروت، فقد رأى أمس أنه تسلّم ملف ترخيص شبه مكتمل، وكان عليه أن يحترم المهل الخاصة بإصداره. غير أن المحافظ فاته ذكر بعض الوقائع، أهمها أنه أعطى إذناً لوسام عاشور للقيام بأعمال زرع غورايز عمودية وتدعيمها بتاريخ 1/5/2015، أي منذ أكثر من سنة، ورغم أن المحافظ احتفظ للحق العام بعدم دفع تعويض في حال عدم إعطاء ترخيص، إلا أنه لم يلحظ التعويض الذي يستحق للحق العام على صاحب العلاقة، نتيجة الأضرار اللاحقة بالبيئة الساحلية في حال عدم منح الترخيص. في سابقة فريدة، منح المحافظ الترخيص مع اشتراط "تسليم ملف تعديلي للبناء المبين في ملف الترخيص"، إذ يفترض إصدار الترخيص بعد استكمال دراسة الملف النهائي للمشروع كي يراقب التنفيذ على أساسه.
هذا في الشأن التقني المتعلق بالترخيص وهناك المزيد. أما في ما يتعلق بطبيعة الأرض، فقد استند المحافظ في قرار السماح بالبناء إلى ما قال إنها صورة جوية عائدة لعام 1973 تظهر أن الأرض في تلك المنطقة هي صخرية. إن الخطأ هنا، كما في القسم الأول أعلاه، يقع على عاتق الفريق التقني، الذي أقنع المحافظ بأن يستند إلى صورة واحدة تظهر ردميات وضعت لإخفاء الطريق المعروف باسم أم كلثوم (الطريق 66)، الذي نفّذ نهاية خمسينيات القرن الماضي ووضع قيد الاستعمال، أي إنه ملك عام لا يزول! فالإفادات العقارية للعقارات تلك تقول إنها رملية، والصور الجوية والفضائية من الأعوام 1926، 1962، 2000 إلى 2016 مطابقة على الخرائط تؤكد أن هذه العقارات هي أرض رملية طغى عليها البحر، كما تذكر صحائفها أنها أملاك بحرية بالطبيعة والواقع، وعلى محافظ بيروت وقف أعمال البناء عليها فوراً.
قال المحافظ في معرض التبرير إنه راسل وزارة الأشغال العامة والنقل لكي تحدد الأملاك العامة البحرية، وهي لم تستجب. وهنا يجدر السؤال: قرار المحافظ رقم 14597 القاضي بوقف المعاملات كافة على 21 عقاراً على الشاطئ الجنوبي، ألم يكن هدفه دراسة وضع هذه العقارات القانوني، وبالأخص إعادة النظر في الإشارات المرقنة (المزالة) وكيفية ترقينها؟ ألم يطلب المحافظ من الدوائر العقارية تزويده بصور عن محاضر التحديد والتحرير لهذه العقارات، ومنها عقارات " الإيدن روك"؟ ألم يطلب أيضاً صوراً عن قرارات القاضي العقاري ذات الصلة والكتب المتعلقة بوضع الإشارات وإزالتها؟ كل ذلك لمتابعة الإجراءات ذات الصلة. لماذا لم يؤكد طلب التحديد للمديرية العامة للنقل البري والبحري المسؤولة عن الأملاك العامة البحرية؟
قد يكون من المفيد، أو حتى من الواجب، إظهار الوثائق التي استند اليها المحافظ وفريقه الفني لتحرير العقارات وترخيص البناء عليها، لكي يعرف المواطن أين ملكه العام، ومن تعدّى عليه وكيف سيسترجعه. ألا يجب على المجلس الأعلى للتنظيم المدني أن ينشر كافة محاضره المتعلقة بإعطاء الأملاك العامة لأفراد أو مجموعات حصراً؟
بالتأكيد هذا واجب على الإدارة العامة وموظفيها، كما هو حق للمواطنين الذين يجب على الجهاز القضائي، وتحديداً مجلس شورى الدولة، الاعتراف بصفتهم الادعائية، أفراداً كانوا أو مجموعات. هؤلاء مطالبون اليوم قبل الغد بالعمل الجاد والدؤوب للحصول على هذا الحق حتى لا يضيع الشاطئ والملك العام بين محافظ لا يقدر أن يحافظ ووزارة أشغال لا تشتغل، وتنظيم مدني يشرّع الشذوذ .... عن الأحكام والأنظمة!
* رئيس جمعية "الخط الأخضر"