"لا يستطيع أحد أن يُزايد على المُحافظ. علينا أن لا ننسى أنه قاضٍ"، هكذا خاطبت عضو مجلس بلدية بيروت هدى الأسطا قصقص المُشاركين في جلسة النقاش مع محافظ المدينة القاضي زياد شبيب، التي نظّمتها جمعية "نحن"، أول من أمس، في فندق "كراون بلازا" في الحمرا.كلام قصقص جاء ردّاً على مُداخلات الكثير من المُشاركين والمشاركات في النقاش، ممّن هاجموا القرار الذي اتخذه شبيب مؤخراً، والذي قضى بتحرير عدد من العقارات في الرملة البيضا وإعطاء التراخيص اللازمة لأصحاب مشروع "الايدين روك" الذين باشروا أعمالهم على موقع الشاطئ.
في الواقع، المُداخلات التي افتتحتها الأستاذة المشاركة في الجامعة الأميركية في بيروت منى فواز، كان أغلبها يُخاطب القاضي شبيب وليس المُحافظ شبيب. فوّاز كانت أول من توجّه بشكل صريح الى المحافظ بصفته قاضياً سابقاً في مجلس شورى الدولة. وقالت له: "أخاطبك كقاضي مجلس شورى، وأُبرز لك الصور الجوية لبيروت عام 1926 التي تُثبت أن الموقع الذي تم الترخيص للبناء عليه كان مُلكاً عاماً"، قبل أن تُذكّره بنصوص القوانين التي تنص على أن "الأملاك العامة لا تُباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن". كذلك غالبية مُداخلات الناشطين صبّت في إطار "التذكير بالقوانين وإبراز الحجج والمُستندات والخرائط التي تُثبت المُلكية العامة لشاطئ الرملة البيضا".
شبيب: لا نستطيع أن نتعسّف بالقانون ونمنع الناس من التمتّع بملكهم

عند كل مُداخلة قانونية، كان يردّ شبيب بحجة قانونية "مُضادّة"، من نوع أن سند الملكية هو إثبات يدحض ما سمّاه "شُبهة الملك العام على الموقع". "المُناكفة" التي حصلت هنا، تعكس تماماً "الأساس" الذي تُبنى عليه القوانين التي قد تحمل في عناوينها العريضة مبادئ صون حقوق المواطنين، لكنها تنطوي على استثناءات "مدسوسة" لخدمة مصالح خاصة على حساب المصالح العامة.
النقاش مع شبيب اتّخذ منحى قانونياً وتقنياً، إذ بدا الحوار مع "القاضي" الذي انبرى لعرض "مخارج" قانونية تُشرّع ما ارتكبه من معاص، وليس مع "المُحافظ"، الموظف العام المؤتمن على تحقيق المصلحة العامة.
سُئل شبيب من قبل الباحثة سينتينا بو عون: "أليست المصلحة العامة تسمو على المصلحة الخاصة؟ لماذا سارعت في إعطاء الرخص ما دامت ملكية العقارات يشوبها الكثير من المغالطات والتشكيك"؟ تذرّع هنا شبيب بأنّ قانون البناء يفرض أن تصدر الرخصة قبل ستة أشهر، وقال: "لا نستطيع أن نتعسّف بالقانون ونمنع الناس من التمتّع بملكهم".
"أليس الملك العام يسمو على المُلك الخاص؟"، كرّر المُشاركون سؤالهم. "كلاهما مصونان في الدستور والقوانين"، أجاب شبيب، ليتوجّه في ما بعد الى المُشاركين والناشطين الذي واظبوا على "لومه" بالقول: "مش لأني متعاون معكن تحمّلوني كل المسؤوليات"، لافتاً الى إمكانية الطعن في القرارات المتّخذة والى ضرروة "أن يساعده المجتمع المدني" في قضية كبيرة كهذه! وهذه العبارة كانت لبعض المشاركين بمثابة إقرار ضمني بأن قرارات المحافظ لا تمليها القوانين بل المصالح والضغوط.
الردّ على كلام شبيب جاء عبر لسان المدير التنفيذي لـ"المُفكّرة القانونية" المحامي نزار صاغية، الذي قال إن المواطنين يريدون معرفة خطة البلدية التي انتخبوا مجلسها لـ"استعادة الملك العام"، لا أن يسمعوا أن الملكية الخاصة تأتي في الأولوية.
خلصت الجلسة إلى "ضرورة استكمال النقاش، سعياً الى اتخاذ خطوات تُحافظ على الملك العام". وأبدى المحافظ انفتاحه واستعداده لاستكمال لقاءات مماثلة. الى ذلك الحين، يكون الموقع قد دُمّر بشكل نهائي نتيجة الأعمال المُستمرة من قبل أصحاب المشروع.
يقول المُدير التنفيذي لـ"نحن" محمد أيوب، إن الجمعية تبحث بالتعاون مع الناشطين خطوات سوف يتم الإعلان عنها في الأيام المُقبلة، سعياً الى "وقف الأعمال وعرقلة إقامة المشروع".
النقاش حول الرملة البيضا أتى بعد عرض سريع لمُستجدّات قضية حرج بيروت. سأل أيوب شبيب عن "الدوام" الذي يُفرض على المواطنين من أجل زيارة الحرج (من السابعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً خلال الأسبوع، ويُفتح من السابعة صباحاً حتى السابعة مساءً يومي السبت والأحد)، وعن موعد إعادة فتحه بشكل كامل، فقال إنه في صدد العمل على إعداد خطة من أجل إعادة فتحه بشكل كامل، مُتجنّباً تحديد موعد لذلك.
ماذا عن خطة الملعب البلدي؟ أعلن شبيب رفضه للخطة، "لكنّ هناك قراراً صادراً من مجلس الوزراء، وحالياً تجري الدراسات لهذه الغاية". ماذا عن المستشفى الميداني المزمع إنشاؤه على موقف السيارات القائم حالياً والمُلاصق للحرج؟ قال شبيب إنه ضد البناء "لكن المنطقة الجغرافية بحاجة الى هذه الخدمات الصحية".
النقاش حول قضية الحرج كان سريعاً، واقتصر على استعراض المشاكل من دون الإعلان عن حلّ واحد لها أو عن "نوايا" من أجل مُعالجتها. "الاستعجال" في "تقصير" النقاش المتعلق بحرج بيروت كان بحجة "حماسة" الحاضرين للانتقال الى ملف الرملة البيضا، لكنّ نقاش هذا الملف أيضاً أفضى الى النتيجة نفسها: عدم الإعلان عن حل للمشكلة القائمة أو حتى نيّة من أجل معالجتها، بل الإمعان في ترداد مقولة "سموّ الملكية الخاصة". وهنا تكمن كل القصة: هذه أملاك عامة ولا تمت بصلة الى الملكية الخاصة.